ما زالت عمليات التسهيل الكمي وضخ الأموال في الاقتصادات ومواصلة التحفيز في مختلف القطاعات في أغلب دول العالم وهذا لأكثر من سبب أهمها: أولا: المحافظة على سوق العمل وعدم زيادة أعداد العاطلين عن العمل، ثانيا: لكي يستمر الاقتصاد في دورته الطبيعية من إنتاج واستهلاك، ثالثا: مساعدة المتضررين من الأزمة الاقتصادية من خلال توفير ائتمان مناسب لهم أو توفير فرص عمل أو دعمهم.
وهذا ما تسعى إليه الدول الآن ولكن نجد في المقابل دولا أخرى تتخذ سياسة تقشفية في محاولة منها للحد من أضرار الأزمة الاقتصادية بسبب وباء كورونا مع الأخذ في الاعتبار أن هذه الدول تسعى إلى تعزيز الاستهلاك والإنفاق وهنا لا يجتمع المتضادان معا، فالتقشف هو عدو للاستهلاك.
والاستهلاك هو أساس العملية الاقتصادية فمن دونه لن يكون هناك اقتصاد ولو نظرنا إلى الأمر بشكل مفصل نجد أن كل خطوة من خطوات وصول المنتج إلى المستهلك (عملية الاستهلاك) هي في الأساس تصب في مصلحة الاقتصاد من خلال عدد من العوامل منها الإنتاج واستئجار عقارات واستيراد مواد خام ودفع أجور عاملين واستئجار سيارات.... إلخ، كل هذا في النهاية لن يتوافر إذا لم يكن هناك مستهلك ينفق بشكل مستمر ولو عكسنا الصورة قليلا ونتخيل لو توقف المستهلك عن الإنفاق بشكل كبير نتيجة السياسة التقشفية من المتضرر في النهاية؟ المتضرر هو الاقتصاد، ففي كل الأحوال، حتى لو أثبتت السياسات التقشفية فاعليتها في توفير بعض الأموال في قطاع من القطاعات ففي النهاية سوف يتضرر كامل الاقتصاد وهذا ما يجب أن نتطرق إليه في الفترة الحالية والمستقبلية.
فالواجب علينا الآن الابتعاد تماما عن السياسة التقشفية والبدء بضخ الأموال في الاقتصاد ولو بشكل تدريجي ووضع خطط متوازية وواقعية تسمح للاقتصاد الذي ينتهج السياسة التقشفية في الخروج من هذه الدائرة المغلقة التي لن تكون مفيدة في النهاية ووضع برنامج تحفيزي قصير ومتوسط المدى لمختلف القطاعات من خلال هيئات ومؤسسات بحثية لديها القدرة على قراءة الواقع والمستقبل بعيدا عن النظريات الأكاديمية التي عفى عليها الزمن.
سيبقى التقشف عدوا للاستهلاك والإنفاق مهما كانت السياسة المتبعة والأداة الاقتصادية المستخدمة في التقشف ولن تخرج الدول من دائرة الانكماش طالما تستخدم هذه السياسة لأن كل من استخدم هذه السياسة انتهى به الحال إلى تضرر الاقتصاد بشكل كبير وهذا ما تنتهجه الدول الاقتصادية المتقدمة حاليا مثل الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا في استخدام السياسات التحفيزية وضخ الأموال بشكل مستمر حتى يتم احتواء التوابع السلبية للأزمة الاقتصادية الحالية.
التحفيز جاذب للاستهلاك والتقشف طارد للاستهلاك ولنا أن نختار.