اعتمد منتدى "نيليني" لتحقيق "السيادة الغذائية"، "ستة مبادئ رئيسية مترابطة، وهي: التركيز على الغذاء من أجل الناس" - احترام محتوى الثقافة ومثلها أو "القيم الخاصة بمقدمي الغذاء" - "العمل على أن تكون النظم الغذائية محلية" - "فرض الرقابة محليا" - "بناء المعرفة والمهارات"، وأخيرا "العمل مع الطبيعة"، مضيفا "جين هاريغان"، إلى تلك المبادئ، ثلاث "طرائق أساسية يمكن لأي بلد من خلالها تحقيق الأمن الغذائي على المستوى القومي، وهي: الإنتاج المحلي، والواردات الغذائية التجارية، والمعونات الغذائية". مع التأكيد على أن الاستراتيجية "التي تعتمد فقط على الخيار الأول هي مرادفة للاكتفاء الذاتي الغذائي القومي". ولا يفتأ يحذر في محاور الكتاب إلى الأزمة الغذائية المتصاعدة في العالم العربي الذي يعتبره الخبراء من "أكثر المناطق التي يحتمل أن تعاني من قصور الأمن الغذائي في العالم"، حيث "تعد البلدان العربية أكبر مستورد للحبوب نتيجة لاعتمادها على الواردات..."، و "لديها أكبر عجز غذائي بالنسبة لأي منطقة في العالم..". ولهذا الواقع المتمثل في شح وارتفاع أسعار الغذاء، آثار خطيرة وتبعات اقتصادية وصحية يلخصها الكاتب في "زيادة التضخم المحلي - زيادة العجز التجاري - زيادة الضغوط المالية"، وتؤدي مخاطر الاعتماد على "نظم غذائية ضعيفة المحتوى في المغذيات الدقيقة والكثيفة في الأغذية النشوية" إلى "انتشار السمنة، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي ومصر، وإلى النمو السريع في الأمراض غير المعدية مثل أمراض القلب والأوعية الدموية والسكري..."، ويتسبب "قصور الأمن الغذائي في الفقر، والبطالة، وضعف المنطقة" وهشاشتها أمام "الصدمات الخارجية بصورة عامة". ولا يمل "جين هاريغان" من الإشادة بتجربة دولة قطر في سياساتها المقرة لتحقيق متطلبات الأمن الغذائي، حيث "تقدم قطر مثالا آخر على الاستراتيجية الجديدة للسيادة الغذائية. ويهدف برنامج قطر للأمن الغذائي الذي أطلق في نوفمبر 2009م، إلى زيادة الإنتاج الغذائي المحلي والحصول على الأراضي في الخارج من أجل الحصول على الغذاء مباشرة"، ولكون أن الكتاب قد صدر قبل سنوات، فقد غابت عن صفحاته المؤشرات والأرقام الحديثة، المقدرة والمحتفى بها عالميا لما حققته الدوحة من إنجازات كبيرة في مجال الإنتاج الغذائي واستثماراته الناجحة التي أصبحت نموذجا، تناولته شخصيا في عدد من المقالات التي نشرتها "لوسيل". يؤكد "جين هاريغان"، أن "مفهوم الأمن الغذائي متعدد الأبعاد، ولا يمكن النظر إليه من منظور اقتصادي بحت، ولا يمكن تحقيقه من خلال سياسة واحدة أو استراتيجية واحدة فقط. ويرتبط تحقيق الأمن الغذائي - في الحقيقة - ارتباطا وثيقا باستراتيجية التنمية الشاملة للبلد وكذلك بهياكله الاجتماعية والاقتصادية والسياسية"، وإشراك المواطنين بشكل كامل وحر في "العملية السياسية لصنع السياسات، فما أراده المواطنون العرب في النهاية: الحرية والديمقراطية وتقرير المصير". فهل ستتمكن البلدان العربية من معالجة هذا التراجع والتفاقم في نسب الاكتفاء الغذائي وإحداث نهضة في قطاع الغذاء تتجاوز بها حالة التسليم بالأمر الواقع ؟ يظهر بأن حالة الإخفاق المتواصل، سببها الرئيسي غياب الإرادة السياسية وما لم تستيقظ هذه الإرادة فسوف نبقى في سبات نتكل فيه ونعتمد في توفير غذائنا على الآخرين.