عشرات العناوين التي تتشكل منها سلسلة "عالم المعرفة" تصطف في قسم خاص بها تزين مكتبتي، فقد أدمنت منذ عدة عقود اقتناء هذه السلسلة شهريا، يدفعني إلى ذلك، قيمتها العلمية والفكرية والثقافية العالية، ودقة وجودة ونجاح المتخصصين في "المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب- الكويت"، في اختيار موضوعاتها ومحتوياتها التي تعمق الوعي والمعرفة، وتربط القارئ العربي بالثورات والطفرات العلمية التي تحدث في الغرب والبلدان المتقدمة، والأحداث والتطورات ذات العلاقة بتخصصات المناخ وغزو الفضاء وعلم الوراثة والاستنساخ والتلوث البيئي وتقنيات المعلومات ومسيرة العلم ومراحل تطوره والأزمات المالية والنجاحات الاقتصادية... وتقدم قراءات متقنة في تحولاتها السياسية والعلمية والاقتصادية والاجتماعية، وتسعى هذه السلسلة كذلك إلى تحفيز حكوماتنا ومتخذي القرارات والمؤسسات الاكاديمية والعلمية على إعداد الخطط ووضع برامج عملية للاستفادة من تجارب الدول الرائدة في المعرفة ومحاولة اللحاق بالركب الحضاري، واستلهام الدروس من الإخفاقات ووضع المجتمعات العربية أمام حقيقة أسبابها للوقاية منها مستقبلا... وعندما أطوف في عناوين هذه السلسلة بقسميها التي أنهيت قراءتها أو الأخرى التي ما تزال تنتظر دورها، أستشعر قيمتها الرفيعة، وأهميتها في اكتساب المعرفة وتفسير وتوضيح ما أشكل والتبس علينا، والإجابة على الكثير من الأسئلة التي تدور في خلدنا، ودورها في اكتشافنا لحقيقتنا نحن العرب، والبون الشاسع بيننا وبين الأمم المتقدمة في مختلف التخصصات والحقول العلمية، واستمرارية صلاحية وتجدد ما تحتويه من مضامين ومحاور ومعلومات لكل الأزمنة فلا تفقد قيمتها أو تقل وتتراجع مع مضي الأيام، بل إن أهميتها تزيد وتكبر بالنسبة لعالمنا العربي خاصة، كون أننا ما نزال أبعد حقيقة عما تتطلع وتدعو وتطمح إليه غايات هذه السلسلة، ولأننا في حاجة للمزيد من اليقين لتلمس وتبين حقيقة التوقعات التي عرضت لها على ضوء استشراف كتابها للمستقبل... "التنين الأكبر، الصين في القرن الواحد والعشرين"، للكاتبين "دانييل بورشتاين وأرنيه دي كيزا"، واحد من هذه الكتب المهمة، الذي مضى على إصداره عشرون عاما، وتقدم قراءته اليوم، فرصة لتقييم ما تنبأ به ونسبة ما تحقق على أرض الواقع في بلاد "التنين الأكبر"، فالصين قررت قبل أكثر من ثلاثة عقود ونصف إحداث تحولات في هياكلها وقيمها السياسية والاقتصادية لم تلغ خصوصية وحضارة وتاريخ البلاد ودعامات نظامها السياسي، ولم تتشبث بها حد الجمود والتقوقع وتضييع الفرص، إنما الانفتاح واستثمار الإمكانات والأخذ بتجارب القيم الديمقراطية - الرأسمالية والإبقاء على ما يحفظ للصين مبادئها ومثلها ودعاماتها ومكونات ثقافتها الضاربة في عمق التاريخ، في تدرج حذر وتقدم يحقق الطموحات والتطلعات ويسعى إلى تربعها - أي الصين - لتصبح واحدة من القوى العظمى التي يخشى نموها العالم، وكانت وما زالت محورا أساسيا لتحليلات وقراءات وكتابات الخبراء والمحللين والأكاديميين واشتغالاتهم، وتنبؤاتهم المستقبلية، "لا يزال الصينيون يصفون أنفسهم بأنهم شيوعيون، ولا يزال الحزب الشيوعي يحكم الصين بقبضة من حديد، فيما سبق وأن أعلن مدير أمريكي لصندوق نقد صيني في عام 1994:"ربما لا يرغبون في تسميتها رأسمالية لأسباب سياسية يعرفونها، بيد أنني، ويا للعجب، كلما تأملت ما يجري في الصين اليوم، فإن عيني لا تريان فقط نظاما رأسماليا نشطا، بل أرى نظاما رأسماليا صرفا وشديد الحمية والحماس"". "إنها هجين فريد يضم آثارا كثيرة تجمع بين عناصر من الاشتراكية والرأسمالية على السواء". "يتبع".