ماذا لو؟

كثيرة هي التداخلات والتقاطعات في أفكار المدارس الاقتصادية التي تحكم وتدير دفة الموارد والثروات والنمطيات الاقتصادية في العالم، فبين الاشتراكية ومفاهيمها الماركسية وديمقراطياتها السياسية وبين الرأسمالية والتي تعد نظاما اقتصاديا ذا فلسفة اجتماعية وسياسية تقوم على أساس تنمية الملكية الفردية والمحافظة عليها، والتوسع في مفهوم الحرية، حيث تزداد أهمية مفهوم الملكية الفردية في الموارد النادرة، بحيث يفتح السوق المنافسة المطلقة بين الأفراد لاستغلالها بكفاءة. بما أن الرأسمالية تعزز الملكية الفردية، فإنها تقلص الملكية العامة، الأمر الذي يتنافى تماما مع كل أفكار الاشتراكية، سواء كنظام اقتصادي أو كنظام اجتماعي أو فلسفي تحديدا يقوم على وجهة النظر على أساس فهم للسلوك الإنساني يُشكل عن طريق البيئة الاجتماعية. وفي الخصوص الاشتراكية العلمية تحتوي العادات والقيم الاجتماعية والصفات الثقافية والمعاملات الاقتصادية هي صناعات اشتراكية وأيضاً قوانين طبيعية. الهدف الأسمى للاشتراكيين الماركسيين هو رفع الولاية وتحرير العمال من العمل عند الآخرين. ويتجادل الماركسيون بأن تحرير الفرد من ضرورة العمل عند الآخرين من أجل الحصول على بضائع سيجعل الناس ينساقون إلى اهتماماتهم الخاصة ويطورون مواهبهم الخاصة بدون الاهتمام بالعمل عند الآخرين. وهكذا بالنسبة للماركسيين يسمح بأن تكون مرحلة التطوير الاقتصادي مرحلة عرضية على التقدمات الموجودة بالقدرات الإنتاجية بالمجتمع. وحقيقة لم أجتهد كثيرا في طرح المفهومين السابقين بحكم شمولية المعرفة وعموميتها بتلك المفاهيم، ولكن الأمر الذي استوقفني هو الاختلاف التناقضي في المدارس الاقتصادية وأبعادها الاجتماعية والسياسية وكيف استطاعت كلتا المدرستين النجاح بشكل كبير وشبه كامل في المناطق التي وجدت فيها، إذا يمكن أن نستنتج أن كل ما ذكر صحيح على الرغم من اختلافه، بل وتناقضه، وهذا لا يستوي منطقا ولا عقلا، والتفسير الثاني لذلك، وهو الأقرب إلى المنطق، أن الأنظمة والمدارس الاقتصادية تأتي وليدة البيئة التي تخرج منها وتتكون بداية كنمط اجتماعي وثقافي وسياسي وبعد ذلك تتحول إلى منظومة اقتصادية، لذلك تنجح في مناطقها على الرغم من اختلافاتها، وكنتيجة حتمية لذلك تكونت مجموعات مختلفة من البشر تحمل كل منها سمات سلوكية مختلفة عن الأخرى. أما نحن في العالم الثالث فلم تتولد لدينا مدرستنا الاقتصادية الخاصة لتترجم توجهاتنا وأفكارنا، بل تم استيراد المنظومات الاقتصادية من الخارج ولم تكن من مكان واحد، بل من عدة أماكن، فتكون لدينا مزيج مختلط متجانس أحيانا وغير متجانس في معظم الأحيان، ليكون مجموعات من الأفراد مختلفة فكريا وثقافيا واقتصاديا، والسؤال الكبير جدا الآن للطرح هو ماذا لو كانت المدارس الاقتصادية المطبقة هي وليدة البيئة والمعطيات الشمولية المحلية أو ماذا لو أعدنا ضبط الإيقاع الاقتصادي المحلي وعملنا ثورة على الثوابت والمسلمات النمطية الاقتصادية المحلية لنخرج بمفاهيم جديدة. أترك الإجابة لمن يحب أن يجيوب وإلى لقاء هذه تحية.