المسؤولية المجتمعية التي نريد

تظل بدون مضمون إن لم تتحول إلى نشاط مؤسسي مستدام تقوم فكرة المسؤولية المجتمعية (Social Responsibility ) الحديثة نسبيا في العالم العربي؛ على بديهية رد الشركات ومؤسسات الاعمال جميل المجتمع عليها (بما في ذلك من يطلق عليهم أصحاب المنفعة (Stakeholder Groups) من زبائن/ عملاء، وموردين، ومساهمين، وموظفين، ومجتمع محلي...الخ) بعد أن أتاح لها فرص النمو والنجاح؛ وهي تستهلك بيئته، وتستخدم مرافقه، وتحقق أرباحها من خلاله. لكن بعض الشركات ومؤسسات الأعمال إما أنها غير مدركة لمعنى المسؤولية المجتمعية، أو أنها تحاول القيام بها ضمن الحدود الدنيا؛ باستغلالها مناسبات معينة كشهر رمضان المبارك، بإقامة موائد رمضانية، أو بتقديم العروض، أو تخفيض الأسعار، أو تقديم بعض التبرعات النقدية أحيانا، وغيرها من وسائل جذب الانتباه اليها، وهذا جيد، لكن هل هذه الفعاليات هي المسؤولية المجتمعية المقصودة حقا؟  فهذا الشكل من الأنشطة في هذا الشهر الفضيل وفي مناسبات أخرى؛ أقرب إلى العلاقات العامة والدعاية منها للمسؤولية الاجتماعية، بدليل أن ميزانيات كثير من تلك الشركات تخلو من بنود تتعلق بنفقات ذات صلة بهذه المسؤولية، وبعضها لا يملك تصورا حقيقيا لأنشطة تبرز مسؤوليتها المجتمعية، كما لا يوجد لدى معظمها تقريبا أقسام أو إدارات معنية مباشرة بإدارة ومتابعة هذه المسؤولية. فكرة المسؤولية الاجتماعية تظل بدون مضمون إن بقيت تمارس بالطرق المشار إليها؛ ولم تتحول إلى نشاط مؤسسي مستدام أحد أوجهه الشراكة مع المجتمع وأصحاب العلاقة مع تلك المؤسسات؛ بهدف إيجاد شكل جديد من التنمية؛ لتطوير البيئات المحلية أفقيا وعموديا، وبهذه الكيفية فهي في صلب العقد الاجتماعي الاقتصادي الاخلاقي غير المكتوب بين مؤسسات الأعمال وبين المجتمع.  ومع ذلك فالممارسات البسيطة لما يطلق عليه مسؤولية اجتماعية لا يعني عدم وجود شركات تحاول تأدية دورها المجتمعي بشكل حقيقي؛ منطلقة من فلسفة ذاتية بهدف تنمية المجتمع المحلي، ودعم أفكار تعليمية جديدة، ومكافحة الفقر والبطالة، ورعاية جمعيات خيرية، والتركيز على الزبون/العميل وحاجاته من خلال الإدارة المتفوقة، وايجاد قنوات اتصال دائم مع المجتمع، وتحقيق أفضل عائد لمساهميها، واقتطاع نسبة من إيراداتها لإنفاقها على مشاريع تتبناها بناء على دراسات ميدانية واحتياجات يتم رصدها؛ وكل ذلك وفق قواعد تراعي الاستدامة، وعدم التوقف عند مجرد إنجاز مشروع معين. وعليه فالمسؤولية المجتمعية الحقيقية هي التي تلعب دورها المستدام في خدمة المجتمع دون استغلالها لتمرير سياسات غير مقبولة، أو إقامة أنشطة مخالفة للأنظمة والقوانين؛ أو ضارة بالبيئة، أو للقيام بمنافسة غير عادلة، لأنها قد تتحول بسرعة إلى مجرد ادّعاء لا أكثر، وهي أيضا ليست أنشطة خارجية فقط، بل لا بد لها أن تعكس نجاح الجهة القائمة بها سواء تمثل ذلك بجودة خدماتها ومنتجاتها ونوعيتها، أو إنتاجية العاملين فيها، أو بالقيمة المضافة التي تقدمها للمجتمع الذي تعمل فيه بيئيا وصحيا ومهنيا.  لذلك فالمسؤولية المجتمعية التي نريد، يجب أن تكون مرتفعة الجودة، وتؤدي إلى نتائج اقتصادية واجتماعية مواتية سواء بطريقة القيام بها، أو بالثقافة المؤسسية التي تقف خلفها، أو بمساهمتها بالحد من الفقر بنوعية التقليدي الاقتصادي والتقني المعرفي، لتكريسها كجزء من نسيج الاقتصاد الوطني، وهي توسع دائرة الفرص الجديدة للأفراد والفئات الاجتماعية. الأنشطة والمبادرات والأفكار الريادية والمبتكرة والجديدة بيئيا وصحيا وتعليميا؛ واقامة المشروعات الصغيرة والمتوسطة؛ التي تقوم بها الشركات ومؤسسات الأعمال انطلاقا من مسؤوليتها المجتمعية واستجابتها الاجتماعية؛ أكثر فاعلية وأجدى نتيجة من لعبة العلاقات العامة، أو التبرعات النقدية؛ التي ثبت أنها لا تحقق النتيجة المرجوة، فتعليم الشخص صيد السمك ليأكل العمر كله؛ أفضل من إعطائه سمكة تكفيه يوما واحداً.