مشاهد وملامح اقتصادية من مدينة "شيراز" الإيرانية 1/2

تتميز الجمهورية الإسلامية الإيرانية بإرثها الحضاري البارز الذي يمزج الفارسي بالإسلامي، وثرائها التاريخي والديني والثقافي، وأناقة وجمال ومهارة فنونها، وطبيعتها الخلابة وتنوعها شتاء وصيفا، ومدنها الجميلة ذات المواقع الاستراتيجية المتفردة والتي تعد كل واحدة منها يوما ما، عاصمة لحضارة ومملكة وأسرة، واسواقها النشطة، وجودة صناعاتها وقوتها الشرائية الضخمة، وصروحها وقصورها ومساجدها ومزاراتها الدينية الفاتنة التي تصور بذخ وقوة وعظمة الشاهنشاهية وملوك كسرى ونفوذ وسطوة وجاه الدولة الصفوية والزندية... وما بلغته فارس من مكانة رفيعة في الفنون والعمارة والإبداع والازدهار. وإيران القريبة جغرافيا من منطقة الخليج العربي وبينها وبين شعوبه مشتركات وقواسم عديدة، وتربطها بدوله طرق بحرية وجوية - وسوف تتوطد الروابط اذا ما اتفق على تشييد جسر بحري بينها وبين عمان - لكل تلك الأسباب يمكن أن تصبح الجمهورية الإسلامية الإيرانية مقصدا مهما للسياح الخليجيين وسوقا كبيرا للصناعات الخليجية ومركزا تجاريا مهما لتعظيم المنافع الاقتصادية وزيادة نسب التبادل التجاري وبناء تكتل اقتصادي يمكن أن تشارك فيه دول أخرى مهمة في المنطقة، من شأنه أن يجعل من الخليج منطقة مزدهرة ونشطة تجاريا ذات نمو اقتصادي سريع، وولادة موارد ونشاطات مالية تسهم في التنويع ووظائف تسرع من نسب التعيين والاحلال، وهذا ما يؤمله الخبراء ويتطلع إليه الساسة خاصة بعد الانفراجات السياسية والقرارات المتسارعة وتحولات الرؤية إلى بناء اقتصادات قوية وعلاقات متميزة مع إيران، والتي أعلنت عنها تطورات ومستجدات الأشهر والأسابيع القليلة الماضية. تواردت في ذهني هذه الخواطر والأفكار وأنا أطوف في أسواق ومزارات ومعالم مدينة "شيراز" الإيرانية، السياحية والتجارية والدينية والتاريخية... وسط أمواج من البشر، وأسجل انطباعاتي ومشاهداتي عنها، فقد فتنت بشيراز عندما زرتها قبل عقدين من الزمن، وارتفعت نسبة شغفي لزيارتها ثانية وثالثة كلما سمعت مديحا وإطراء ممن التقيت بهم من الأصدقاء والمعارف الذين نستقبلهم عائدين منها بعد أسابيع من المتعة والاستجمام والفحص والعلاج، فشيراز كانت وما تزال قبلة للعمانيين والخليجيين في طلب العلاج وخاصة طب العيون التي تجرى جراحاتها بيد أخصائيين وأطباء ماهرين. أخذنا بـ"طيران السلام" من مسقط إلى شيراز حوالي الساعة والنصف، في رحلة مريحة لا مشقة وجهد يصحبانها، وفي مطار "شيراز" كانت الاجراءات سهلة مرنة، رغم حركة المسافرين النشطة وعددهم المرتفع، وهو ما يعد مؤشرا على تفهم وإدراك الحكومة الإيرانية وسياساتها المرنة في تحفيز وتشجيع السياحة، والوعي بأهمية وقيمة المسافر في تعزيز الموارد وتنشيط الأسواق ودورها - أي السياحة - في تحقيق سياسات التنويع والتخفيف من انعكاسات وآثار العقوبات الاقتصادية، فقد كانت مقاعد الطائرة التي أقلتنا من مسقط، ممتلئة جميعها بالركاب، الذين قدموا من وجهات مختلفة، كان مطار مسقط محطة لتجمعهم في طريقهم إلى مدينة "شيراز" الإيرانية، فالسفر سوق يتطور باستمرار، وتتعدد أنشطته وتنمو موارده، وتستثمر فيه دول العالم بسخاء، فالمسافر الواحد يضخ مالا كثيرا على رحلته الجوية، والتي قد تطلب أكثر من شركة طيران، ويتناول طعامه وقهوته وقد يتسوق من المطار الذي ينطلق منه، أو ينزل فيه ترانزيت، ويدفع للفندق والمطعم والمقهى ووسائل النقل الأخرى، وعند زيارته للمواقع السياحية والمعالم الأثرية، ولمشترياته من الأسواق، واذا كانت رحلته علاجية فللمستشفى... فلا غرو أن تستثمر الحكومات بسخاء في سوق السفر وقطاع السياحة وتطلق وتنظم البرامج والأنشطة والفعاليات الثقافية والرياضية وتنشط سياحة المؤتمرات والمعارض التجارية.