ما الذي يجعل المعلم يقدم واجبه تعليمياً وتربوياً؟ ما الذي يجعل الطبيب يقدم خدمته طبيا وإنسانيا ومهنيا؟ والذي يجعل عامل النظافة يلتزم بالمعايير المطلوبة منه لنظافة المكان المسؤول عنه؟ إنه نفس السبب الذي يجعل أعطال الطائرات أقل ما يمكن ونفس السبب الذي يجعل شركة سيارات تستدعي آلاف السيارات لخطأ مصنعي وإن كلفهم ذلك ملايين الدولارات، إنه الإحساس بالمسؤولية، ليس فقط النابع من الضمير الشخصي ولكن من الخوف من المحاسبة من الجهات الرقابية والتي يجب أن يكون عملها مستمرا ممنهجا متطورا، يعتمد على معايير مهنية محلية ودولية وليس على تقديرات شخصية أو تأويلات خاصة لقانون ما أو قرار تم اتخاذه لحالة خاصة أو في زمن خاص. إنني لا أرى أي إمكانية لتحسين أو حتى المحافظة على أداء أي قطاع من القطاعات وخاصة الخدمية منها إلا بوجود منظومة المسؤولية والمحاسبة، والمعنى هنا لابد أن يتجاوز المحاسبة بإظهار الخطأ من الصواب إلى فكرة تحمُّل مسؤولية الخطأ أيا كان والآثار الآنية والمستقبلية المترتبة عليه، مثل أن يخطئ مثلا طبيب في استشارة طبية ويعطي تشخيصا خاطئا، فإن المحاسبة هنا لا تأتي فقط بإظهار خطأ الطبيب ولكن بتحميله مسؤوليات تبعاتها الشخصية والمالية والجنائية إذا استدعى الأمر، وعليه فإن ذلك الطبيب سيفكر هو وغيره مائة مرة قبل أن يقدم استشارته الطبية في المرة المقبلة، على هذا المثال وقس باقي المهن وتخيل معي حجم التطور والارتقاء الذي سيصيب كافة القطاعات والأثر الذي سيتركه ذلك على الاقتصاد والمجتمع ككل، عندها فقط لن يقف المعلم مكتوف اليدين وهو ينظر إلى الطلاب وهم في معركة البقاء وكأن المدارس تحولت إلى ساحات قتال، ولن يقف الطبيب مكتوف اليدين ينتظر التسلسل البروتوكولي لينظر في حالة مريض سريعا، قد يصيب المكان بعدوى خطيرة، وعلى ذلك ونقيس باقي مناحي حياتنا. ولكن السؤال الكبير هنا هو أنه إذا كانت المسؤولية والمحاسبة مهمة تلي هذه الدرجة في رفع كفاءة الأداء والحفاظ على جودة الحياة على كافة المستويات، فما الذي يعيق عملها؟ والإجابة هنا ببساطة هي توفير آليات الحساب وطرق العقاب وصلاحيات الحركة واستقلالية القرار المبني على المعايير وسلامة النية وصحوة الضمير وآليات الرقابة على كافة المستويات، وأخيراً إنني أؤمن بأن طريق النجاح على كافة المستويات، الفرد والمؤسسة والحكومة، يجب أن يمر من نفق اختبار المحاسبة والمسؤولية، وكما قيل سابقا إنه «إذا أمن العقاب أسيء الأدب»، وإلى أن نلتقي هذه تحية وإلى لقاء.