تحول فكري كبير

معظم دول العالم يعاني ان لم يكن جميعها. تحركات السترات الصفر في فرنسا كل نهار سبت تشير الى أن المواطن العادي غير راض عن تطور الأمور في المجتمع. الرئيس الفرنسي يحاول، عبر المناقشات الشعبية التي بدأت منذ أيام، أن يجد حلولا لكنه ربما تأخر خاصة وأن الغضب بدأ في الواقع قبل تسلمه السلطة. لم يعد مقبولا اليوم عالميا أن تحصل في أي مجتمع أقلية صغيرة من المواطنين على أكثرية الدخل والثروة الوطنيين. معظم الدراسات تشير الى تحول كبير في التفكير الاجتماعي نحو العدالة والحقوق والحريات. الفوضى الحاصلة في موضوع «البريكسيت» تؤكد أن الوضع الاجتماعي في بريطانيا غير صحي والحلول صعبة بل دقيقة. الاقتصادات تنمو بصعوبة والتحديات الاقتصادية كما السياسية والاجتماعية تكبر. الشعوب تعاني من تكلفة المعيشة وصعوبة تحسين نوعية الحياة ومواجهة تحديات المطالب الأسرية. المطلوب من كل دولة أن ترتب أوضاعها الداخلية، لأن فرص وامكانيات المساعدة الخارجية ضاقت عمليا. من كان يعتقد حتى منذ سنوات قليلة أن دول مجلس التعاون الخليجي ستدخل ضرائب اليها وتخفف أو تلغي الدعم عن العديد من السلع والخدمات. من كان يعتقد أن الدول الخليجية العربية ستعاني كغيرها من الدول الكبرى من عجز في الموازنات يفرض عليها ترشيد الانفاق وايجاد مصادر جديدة للإيرادات العامة. \ دول أوروبا تعاني بقوة منذ سنة 2008 ومشكلة «البريكسيت» ليست أقل المشاكل اذ هنالك مثلا كاتالونيا والرغبة في الاستقلال عن اسبانيا، كما لا تخلو دولة واحدة من تحديات اجتماعية كبرى بما فيها ألمانيا وبلجيكا. أوضاع أوروبا عموما تحسنت لكنها لم تتعاف بعد. أميركا تريد تحسين أوضاعها الداخلية، فانتخبت «دونالد ترامب» ليعيد «أميركا قوية» مجددا. نتائج السنتين من حكم ترامب تتأرجح بين الايجابي في تخفيض البطالة وارتفاع مؤشر البورصة لكنها سلبية في مواضيع مهمة كالعلاقات مع السلطة التشريعية واقفال مؤسسات الدولة لأسابيع حتى الآن. أوضاع أميركا اللاتيتية وأفريقيا معروفة ولا تحسد عليها خاصة في قضايا الفساد. وحدها آسيا تعالج أوضاعها بنجاح وصمت بالرغم من أن تحدياتها تكبر مع نمو سكانها وتعاظم حاجاتهم كما أن أوضاع الكوريتين لا تخلو من المخاطر. بالرغم من هذا الوصف الواقعي الصعب، لا ننكر وجود تجارب ناجحة أي دول حققت نتائج ايجابية بعد صعوبات مريرة ونقصد هنا دول أوروبا الجنوبية الأربعة اليونان، ايرلندا، البرتغال واسبانيا. حولت نموها بسرعة من سلبي الى ايجابي خلال سنوات قليلة بعد الركود الكبير. في اليونان مثلا، ارتفع النمو السنوي من سلبي 4,3% في 2009 الى ايجابي وهذا ليس بالقليل في دولة عانت كثيرا من الفوضى والفساد. عانت أيضا من التردد في مساعدتها بسخاء من قبل الأوروبيين والألمان تحديدا كما من قبل المجتمع الدولي وصندوق النقد. نجاح الدول الأخرى لم يكن أقل وهجا بل كان مشابها في التضحيات. المهم أن هذه الانجازات تحققت دون المس بالديموقراطية والحريات.