كثير من الاقتصاديين يصف مشكلة المياه بالقضية الاقتصادية والبيئية الأولى عالمياً وفي جميع الدول بلا استثناء خاصة في ضوء تناقص نصيب الفرد من المياة عن المعدل الحرج الذي حددته الأمم المتحدة والمقدر بـ 1000 متر مكعب سنوياً في كثير من دول العالم، فعلى الرغم من وفرة الموارد المائية على سطح الكرة الأرضية والتي تشكل 70% من حجمها في شكل محيطات وبحار وأنهار فإن 97% من هذه المياه هي مياه مالحة لا تصلح للاستخدام في الأغراض المعيشية والزراعية إلا بعد استخدام تقنيات التحلية باهظة التكلفة وفي حين تشكل المياه العذبة 3% فقط تحتجز الطبيعة منها 9% في قمم الجبال والأنهار الجليدية والتعرض للظروف المناخية وكذلك التربة وخزانات المياه. أما النسبة الباقية فإنها تتعرض لمشكلات متعددة من جراء سوء الاستخدام وارتفاع نسبة الهدر وسوء معالجة النفايات وعدم توافر البنى التحتية اللازمة لحفظ المياه وخاصة في الدول الفقيرة وقد ظهر على الساحة الدولية ثلاثة بدائل مطروحة عالمياً لتجاوز الفجوة بين الموارد التقليدية المتاحة والحد الأدنى اللازم لنصيب الفرد من المياه. وتدور هذه البدائل حول محاور رئيسية يتمثل أولها في ترشيد استهلاك المياه واستخداماتها وذلك باستخدام تقنيات حديثة تساعد في ذلك أو باستخدام آليات اقتصادية وتتمثل هذه الآليات في التسعير وزيادة حجم الاستثمارات الموجهة لقطاع المياه ومنح الحوافز المالية للأفراد والجهات الموفرة للمياه، وثانيها هو تنمية الموارد المائية التقليدية والتي تشمل الأمطار عن طريق تعظيم الاستفادة منها بكل الطرق المتاحة وكذلك المياه السطحية والتي تشمل الأنهار والينابيع العذبة والمياه الجوفية وخاصة الاقتصادي منها وهي القريبة من سطح الأرض وثالثها هو استحداث موارد مائية غير تقليدية والتي تشمل مياه التحلية من البحار والمحيطات وتعظيم الاستفادة من البحث العلمي في هذا المجال بهدف تخفيض التكلفة وكذلك إعادة تدوير مياه الصرف الزراعي والصناعي والصحي. كما ذهبت بعض الدول إلى أبعد من ذلك، ففي الولايات المتحدة الأمريكية كان الشغل الشاغل لوكالة ناسا لأبحاث الفضاء هو اكتشاف المياه على سطح القمر وهو ما نجحت فيه، حيث عثر رواد الفضاء على كميات كبيرة من المياه المتجمدة على سطح القمر وأخيرا وبالرغم من كل هذه البدائل العلمية لتجاوز مشكلة المياه فإن المستقبل المائي وعدم تطبيق الاتفاقيات الخاصة باقتسام المياه بين الدول وغياب القوانين الدولية الرادعة لا يبعث على التفاؤل بسبب الأطماع والهيمنة والقرصنة المائية وليست إسرائيل عنا ببعيد، حيث تقوم دولة الاحتلال بسرقة المياه الفلسطينية من الضفة الغربية وقطاع غزة وكذلك المياه اللبنانية من جنوب لبنان. إن العالم يحتاج الآن وأكثر من أي وقت مضى إلى التعاون بين دول العالم واحترام الحقوق المائية. كما أن الإفراط في سوء استخدام المياه أو شحها يؤدي حتماً إلى كوارث بيئية لا يقوى الإنسان على تحملها.