إذا ما تحدّثت مع أي شخص عادي في هذا العالم عن رأيه وتوقعاته وسألته بشكل مباشر" ما هي أكبر شركة في العالم؟ "، فإنه وبرأي معظم الإجابات ستتجه لشركات معروفة ومشهورة عالميا وغالبا ما نُردِّد اسمها في حياتنا اليومية، فهي ومن وجهة نظر الناس إما شركة " غوغل " وهي التي تقدِّم محرك البحث الشهير وغيره من الخدمات مثل "g mail " و " يو تيوب "، أو شركة " تيسلا " التي يملك الكثير من أسهمها " ايلون ماسك " أغنى شخص في العالم، أو أكبر شركة لبيع المنتجات والسلع حول العالم والمتمثلة في موقع " امازون"، البعض الآخر قد يذهب بتفكيره بعيدا فيقول كلا لا بد وان تكون الشركة الأكبر في العالم هي من تخدم سوقا يمثِّل ربع سكان العالم وبالتالي فهي شركة صينية فيحاول حظه مع شركات كبرى مثل " علي بابا " او " هواوي " وهما عملاقي البيع الالكتروني والاتصالات في الصين والعالم، البعض الاخر أيضا قد يتجه بنظره الى قطاع التكنولوجيا لشركة مثل " آبل" أو " مايكروسوفت " أو الى قطاع صناعة السيارات وشركات مثل " فورد " أو " مرسيدس" مثلا وغيرها الكثير والكثير، لكن وما قد يفاجئ الكثير فإنه وبناء للعديد من الدراسات والأرقام المنشورة فإن أكبر شركة في العالم من حيث حجم الأصول التي تُدِيرها هي ليست أيا من كل الشركات السابق ذِكرها، بل هي شركة لا نسمع عنها كثيرا بالإعلام والكثير من يعتقدون أنهم ذوو خبرة استثمارية في قطاع الاعمال قد لا يعرفون عنها الكثير بل من الممكن أنهم لم يسمعوا باسمها من قبل، نعم يا صديقي وبلا مُقدِّمات وبدون شرح طويل فإنها شركة اسمها " بلاك روك "، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هي شركة "بلاك روك"؟ وما هو نطاق أعمالها؟ وما هي أهم أسباب نموها وتوسعها الكبير؟ وما هي المنتجات والخدمات التي تقدمها؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان تصنيف الشركات من حيث الحجم هو موضوع يتغير بناء للمعايير التي يتم القياس بها، فمُجرد القول ان الشركة الفلانِية هي أكبر شركات العالم هو كلام بالمُطلق ولا يُمكِن الأخذ به ككلام عِلمي دقيق، فتصنيف الشركات يقوم على تحديد موضوع التفاضل وهو اما ان يكون أكبر الشركات من حيث الإيرادات مثلا، او اكبر الشركات من حيث عدد العاملين، او حتى أكبر الشركات من حيث الأرباح او من حيث عدد الفروع التابعة للشركة الأم، حتى انه وبالنسبة للبعض فان حجم الأصول والاملاك التي تملِكُها الشركة أو حتى تُدِيرها قد يجعل منها الأكبر، وهي الحالة التي نتحدث عنها اليوم مع شركة " بلاك روك"، فشركة " بلاك روك" هي شركة أمريكية متعددة الجنسيات لإدارة الاستثمار يقع مقرها الرئيسي في مدينة نيويورك في الولايات المُتحدة الامريكية، وهي شركة تأسست في العام 1988، حيث كانت في البداية تعمل في مجال الإدارة وبالتحديد قطاع إدارة المخاطر والأصول المُؤسّسية ذات الدخل الثابت، وهي بذلك تُعتبر من أكبر الشركات لإدارة الأصول في العالم، حيث يبلغ مجموع الأصول الخاضعة للإدارة حوالي عشرة تريليونات دولار أمريكي وذلك حسب المعلومات والأرقام في نهاية يونيو 2023، هذا وتعمل شركة "بلاك روك" عالميًا عبر ما يقترب من سبعين مكتبا موجودين في حوالي ستة وثلاثين بلدا على هذه الأرض، وهو ما ساعدهم على توسيع قاعدة عملائهم بشكل كبير لتنتشر هذه القاعدة وتتمدد في أكثر من مائة دولة حول العالم تقوم الشركة بخدمتهم عبر أكثر من 19,000 موظف يعملون في هذه الشركة، ونظرا لهذه الإمكانيات الكبيرة وفي نطاق سعيها الدائم للتوسُّع وبالتحديد في شهر أغسطس من العام 2021، قامت الشركة بإنشاء أول صندوق مشترك لها في الصين وذلك بعد أن جمعت أكثر من مليار دولار أمريكي من خلال حوالي 111 ألف مستثمر صيني، حيث تلقّت الشركة موافقة من هيئة تنظيم الأوراق المالية الصينية لتأسيس عمل صندوق مشترك في الدولة، وهو ما جعلها أول مدير أصول عالمي يحصل على موافقة من الحكومة الصينية لبدء عملياته داخل البلاد، وهو الامر الذي اثار في الولايات المتحدة الامريكية حملة واسعة من الانتقادات حول عمل الشركة وبالتحديد حول مراعاة بعض الشركات التي تساهم بها " بلاك روك" لشروط حقوق الانسان وشروط حماية البيئة والمناخ وغيرها من المعايير والضوابط، وهو ما أعاد التركيز على مجموعة من الصناعات التي تستثمر بها هذه الشركة والتي من أهمها مجالات الطاقة والفحم فهي تُعتبر من بين أكبر ثلاثة مساهمين في شركات النفط "الستة الكبار" باستثناء توتال، وهي كذلك من بين أكبر عشرة مساهمين في سبع شركات من ضمن أكبر عشر شركات مُنتِجة للفحم في العالم، أما قطاع النشاطات المالية مثل ادارة الأصول فللشركة باع كبير فيه ومن ضمن بعض استثماراتها فيه هو تملُّكها حصصا كبيرة من الأسهم في العديد من البنوك مثل اتش اس بي سي وجي بي مورغان وغيرها من المصارف العالمية، وبالحديث عن شركات التكنولوجيا فإن "بلاك روك" تُعد من كبار المساهمين في العديد من الشركات المتنافسة مثل كل من شركة أبل ومايكروسوفت، وغيرها الكثير والكثير من القطاعات التي تكاد تكبر لتشمل كل حقول العمل والاستثمار. وأخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن فكرة إدارة الأصول ومُتابعة الاستثمارات الخاصة بالأفراد والدول والشركات هي موضوع حيوي مهم جدا قد نكون بحاجة كبيرة له في عالمنا العربي، فهذه الصناعة بدأت كصناعة تعتمد على الثقة والقدرة على تحديد الاستثمارات الناجحة ولكنها أصبحت اليوم لا تخلو من السياسة والعلاقات الدولية والإنسانية، وهو ما يجعل في كثير من الأحيان من الشخص الذي يدير أموال المستثمرين اكثر قوة وأوسع سلطة منهم، وهنا أستذكر مقولة " ستيف جوبز" الذي يقول " من غير المنطقي أن تُوظِّف الأذكياء ثم تُخبرهم بما عليهم أن يفعلوا، نحن نُوظِّف الأذكياء لكي يخبرونا هم بما علينا أن نفعله ".