الأسواق والقوة الشرائية

عدد الأسواق التي تعلن عن افتتاح نشاطها، والمحلات التجارية في البنايات الشاهقة ومحطات الوقود والمجمعات والمراكز العصرية... تزداد يوما بعد آخر، في الولايات والمحافظات والمواقع التجارية والسكنية، دون أن تصحب إنشاءها دراسات للجدوى - كما يظهر من الواقع والمشاهدات - الحقيقية لهذه الأسواق، تتناول الحاجة الفعلية على أسس تأخذ في الاعتبار قياس حجم القوة الشرائية القادرة على تحريكها وتحفيزها وتنشيطها وضمان تحقيقها لأرباح معقولة، وإن ظلت في الهامش تحفظ لها - على الأقل - بقاءها واستمرارها، فيما يلاحظ أن عددا من هذه الأسواق والمحلات التجارية تظل لفترات طويلة معطلة دون مستأجر، والأنشطة والدكاكين والعلامات التجارية تعلن عن افتتاح هنا وإغلاق هناك، في حلقة تدور على نفسها، وتعثر الكثير منها ودخولها في التزامات مالية وقضايا ومشاكل متعددة، وعدم استقرارها وفقا للمشاهدة والاطلاع والتحاور مع بعض أصحاب هذه المحلات والمحامين ومتابعة القضايا التي تنشرها المحاكم أو تتسرب من أروقتها. إن هوس البعض ليكون له نشاط تجاري ونجاح مشهودا في السوق وطموح لزيادة الدخل واستعجال في جني الأرباح وسرعة التوسع في التجارة والتأثر السلبي بالمظاهر والغيرة من الآخرين... بدون خبرات وتخصص وتقييم واقعي ومراعاة لوضع السوق وثقافة العمل فيه واحتياجات المستهلك ونسبة تواجد النشاطات المشابهة في المكان والمنطقة ودراسة جدوى متخصصة... ستكون عواقبها خطيرة على صاحب العمل، وهي أسباب تجتمع وتقود إلى الواقع الذي نراه. وتتحكم في قدرات القوة الشرائية، من حيث نشاطها الاستهلاكي نموه وانكماشه أو ضعفه، عدد الكثافة السكانية، والدخول الضعيفة أو الرواتب الجيدة، واستمرار التوظيف والترقيات من عدمه، والشعور المطمئن للمستهلك بمستقبل آمن ومستقر، أو القلق من القادم، وازدهار الاقتصاد بشكل عام أو انكماشه، وهي مؤشرات يجب أخذها في الاعتبار كدافع لنمو الأسواق والأنشطة والمحلات التجارية وزيادة أعدادها أوضعفها... ف"عندما ترتفع الأجور بمعدل أكبر مقارنة بارتفاع الأسعار ينتج عن ذلك تحسن في القوة الشرائية، التي ترتبط لأي فرد بمحددين أساسيين هما: - مستوى الدخل المتاح للفرد - والمستوى العام للأسعار". هذا وتعرف القوة الشرائية على أنها "كمية السلع والخدمات التي يكون بمقدور فرد ما أن يشتريها بواسطة دخله المُتاح خلال مدة زمنية محددة (شهر أوسنة)، ويعبر هذا المفهوم عن قدرة الأفراد على الاستهلاك وإشباع احتياجاتهم، وينبئ عن مستوى معيشتهم ورفاهيتهم". فالأسواق بمختلف نشاطاتها وتخصصات أوردتها ومحلاتها التجارية وبيئات العمل الخاص من سلع استهلاكية وكمالية وعقار وبناء وصناعات وأسواق المال... تحتاج إلى قوى شرائية ضخمة لكي تنمو وتتوسع وتزدهر، وفي معظم اقتصادات العالم تلجأ الحكومات إلى رفع الرواتب وتحسين الأجور لمواجهة انكماش الأسواق والأنشطة والأوردة والقطاعات التجارية وضعف القوة الشرائية، وذلك لضخ تلك الزيادات في السوق لمحاولة إنعاشه، وتقر حكومات أخرى سياسات تجنيس شرائح منتقاة من الأجانب خاصة أصحاب الكفاءات والخبرات والتخصصات العلمية والفكرية والإنسانية، الذين يعول عليهم في تحقيق نهضتين علمية واقتصادية، عبر التحاقهم بالجامعات والمستشفيات والشركات ومراكز الأبحاث ووضع خبراتهم المتراكمة وتخصصاتهم النادرة في سوقي العلم والمعرفة والعمل، وإسهامهم ثانيا في تعزيز القوة الشرائية وازدهار السوق.