آباء الفوز في الرياضة كثيرون، بينما الهزيمة يتيمة الأبوين، بل ومقطوعة من شجرة. أما اذا جاء الفوز في صورة بطولة مفاجئة لم تكن في الحسبان فإن طابور الآباء يطول فيذكرك كمراقب بسور الصين العظيم. * وعندما يقهر فريق كرة القدم في ناد ريفي خصومه الكبار القادمين من العاصمة مجتمعين، ويفوز ببطولة الدوري وذهبه بعد سنوات طويلة من التوقف، ضاربًا عرض الحائط بالتوقعات المصلوبة داخل اوراق المحللين والنقاد فإن ألف أب وألف أم وألف أخ من الرضاعة يقفزون الى سطح المشهد ليحضر شاعرنا العربي القديم ببيته الشعري المختار بعناية (وكل يَدَّعي وصلاً بليلى.. وليلى لاتُقِرُّ لهم بذاك!). * هذه مسألة.. أما الثانية التي عادها لما تكون، أو كمال قال المطرب اليمني المرحوم محمد مرشد ناجي فإن موجة ازدحام الآباء بالتبني المزعوم والخاطف ستنتهي بمغادرة ساعات الابهار والدهشة في ليل أو نهار، ليجد الأبطال انفسهم غارقين في صدى الأصوات وبرقيات التهاني وأجمل الأماني وسط غياب اي دعم حقيقي للأبطال. * الدوري اليمني الذي أقيم بصورة استثنائية على ملعبين في محافظتي حضرموت وشبوة أفضى الى احراز ذئاب نادي فحمان ممثل محافظة ابين في جنوب اليمن شَرَف الفوز المدهش ببطولة الدوري، مُقصيًا أندية كبيرة حضرت وفي خزائنها الكثير من هالات الكؤوس ومحفوظات التاريخ، فضلا عن استئثارها بدعم ومساندة البيوت التجارية، لكن هذه الأندية لم تخرج بالبطولة او ذهبها، كما هو حال قطبي صنعاء الأهلي والوحدة وصقر تعز واندية اخرى استأثرت بالدعم، لكنها سقطت في معترك اقتحام فحمان للبطولة متسلّحا بالحماسة والموهبة الفطرية وبحذق مدربه محمد البعداني، متجاوزا ظروفه الصعبة ومُصيبًا كبار الأندية بالمراوحة مابين مرتبك ومتلعثم. * قياديون وسياسيون وزعماء قدامى اقتحموا مشهد كيل التهاني والأماني، وبعضهم تحدث بلسان من اصطاد الأسد، حتى أن هناك من تحدث عن البطوله والبطل في سياق رصده لأسماء قيادات سياسية تنتمي الى محافظة هذا النادي الريفي، ليستحضر المراقب كيف انه بمقدور كوكبة من الشباب الموهوبين ان يتحولوا الى ميدان مفاخرة كبار القوم، ليس مهما ما قدموه لمحافظتهم وبلدهم المخنوق بفشل الزعامات والأحزاب وهذه الأزمات والحروب. وهنا يصح القول.. لا وقت للصمت، ولا مفر من استخدام دبلوماسية الرياضة لتبييض وجوه السياسيين وحماقاتهم!. * الجميل ان الأندية اليمنية مجتمعة تسابقت في إرسال خطابات التهاني ومفردات أهدي سلامي وتحياتي، لا فرق بين الذين طمعوا في البطولة واخفقوا وبين من سقطوا من قاع الدوري او استمروا بطلوع الروح وبركات دعاء الوالدين. * ولا بأس لو استغل صاحب كاتب (نقطة وفاصلة) هذه المساحة لتفسير الموجة المصطنعة لبعض المهنئين. فالذين كانوا يستعدون للاحتفال بالبطولة بخلفية أن فوزهم على فحمان أمر محقق لفارق الجاهزية والامكانات وعدد لاعبي المنتخبات في خطوطهم اضطروا للابتسامة وحولوها الى مباركات حتى وفي النفس شيء من (حتى..!). * الأمر الآخر أن البطولة إجمالا حتى لو تمت في غياب أو تغييب اندية عدن الكبيرة التلال والوحدة والشعلة كانت فرصة لتحريك المتجمد في كرة القدم اليمنية وتفكيك بعض شفرات الاحتقان المجتمعي والسياسي، وأوجدت اجماعا على ادهاش فوز ناد ريفي بالبطولة، وبأن التاريخ وفارق الامكانات المادية قد ينتحران قهرا أمام مفردات استغلال الموهبة الفطرية لناد ريفي وتحويل ذلك الى بطولة اسمها ذئاب فحمان كصناع للجنون الكروي الجميل!.