تزداد أهمية مراكز التحكيم التجاري مع توسع الأعمال والمبادرات الاقتصادية والتجارية في أي مجتمع يتمتع بالاقتصادات الحرة. فهذه المراكز يلجأ إليها التجار لحل مشاكلهم العالقة في الأعمال والصفقات التجارية التي تحدث بين المؤسسات والشركات سواء داخل الدول أو خارجها، فيما هناك أسباب عديدة تؤدي بالتجار ورجال الأعمال باللجوء لهذه المراكز التي تتميز بتوفير عدد من التسهيلات التي تناسب أعمال المؤسسات التجارية، واتباعها لقواعد التحكيم العادلة وسرعة البت في اتخاذ القرارات. كما أن هذه المراكز تعطي الحرية للأطراف بحل المنازعات من خلال محكم فرد أو عدة أشخاص تجاه المسائل التجارية والمصرفية والمالية والعقود وغيرها. وهناك عدة مراكز تحكيم عالمية معروفة في العالم منها CIA وLCIA، وعلى الأطراف أن تتحمل المصاريف الباهظة للمحامين والخبراء وغيرهم في حال الذهاب إلى التحكيم من خلال هذه المراكز، وأن قراراتها تعتبر قرارات نهائية عند صدورها من قبل المحكمين وغير ممكن استئنافها. وتتسم هذه المراكز بالسرية في المواضيع التي تقوم بتداولها، وفي حالة صدور الحكم من بعض تلك المراكز وفق معاهدة نيويورك، فعلى السلطات المحلية التعامل مع تلك القرارات وكأنها أحكام محلية، خاصة من قبل الدول الأعضاء في تلك المعاهدة. وقد صدر في عمان مؤخرا مرسوم سلطاني بإنشاء مركز خاص يسمى بـ “مركز عمان للتحكيم التجاري” يتبع غرفة تجارة وصناعة عمان ويتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري. ومما لا شك فيه، فإن إنشاء هذا المركز يمثل ضرورة للحياة الاقتصادية، ويمثل بديلا لطرح القضايا والمنازعات وتسهيل الأمور، خاصة وأن مراكز التحكيم هدفها توفير الخدمات لأطراف النزاع، وتخصيص مكان للجلسات وتوفير خدمات الاتصالات والترجمة والمداولات، بجانب أن تعمل على ترويج أسماء وخدمات الدول في جذب المزيد من الاستثمارات، ومن خلالها يمكن تأهيل الكوادر ليصبحوا محكمين، بالإضافة إلى قيامها بتنظيم الفعاليات والمؤتمرات والندوات والتدريب وغيرها. كما هناك عدة تحديات يمكن أن تواجهها هذه المراكز منها الانطباع السائد حول التكاليف التي تتقاضاها، خاصة إذا كانت الدول لديها سوق تجاري صغير في حالة الأسواق الخليجية، وتضارب في المصالح التي تحصل بين المؤسسات، فيما هناك ندر في عدد المتخصصين للاحتكام إليهم في مجالات معينة، الأمر الذي يتطلب توفير المحكمين أحيانا من خارج الدول للتحكيم في حال إذا نشب نزاع تجاري في مجال معين كالطرق أو الاتصالات أو قطاعات اقتصادية كبيرة أخرى، الأمر الذي يتطلب منها أن توفر خدمات ممتازة لتكتسب السمعة الطيبة والمهنية والمحايدة في القضايا المعروضة أمامها، واختيار المحكمين لسير العدالة، بحيث يكون المحكمون معتمدين في مجالات متخصصة وفق احتياجات المتقاضين. فأهمية التحكيم التجاري في حل المنازعات التجارية بين الشركات والمؤسسات والمستثمرين أمر ضروري خاصة وأن هذه المراكز يمكن لها تعزيز ثقة المستثمرين وأصحاب الأعمال مستقبلا. إن إنشاء مركز عمان للتحكيم التجاري يأتي إيمانا بأهمية دور القطاع الخاص في عملية التنمية الشاملة والتنمية البشرية وتعاظم هذا الدور خلال المرحلة المقبلة، الأمر الذي سيساهم في استقطاب المزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال المحلية والإقليمية والعالمية والتي ستسهم هي بدورها في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي والبشري المنشود، وسيدعم البيئة التشريعية والاستثمارية المتميزة التي تتمتع بها السلطنة.