تحسنت هذا العام الكثير من المؤشرات الاقتصادية العالمية وارتفعت معدلات النمو بالعديد من دول العالم خاصة المتقدمة منها كالولايات المتحدة الأمريكية واليابان ودول الاتحاد الأوروبي التي ارتفعت عملتها «اليورو» أمام الدولار الأمريكي بنسبة 12% بما يؤكد بداية السير على الطريق الصحيح للانتعاش الاقتصادي، حيث سجلت كل من ألمانيا وفرنسا وإيطاليا زيادات ملموسة في إجمالي الناتج المحلي، بالإضافة إلى تعافي أسواق العمل بالعديد من دول منطقة اليورو. إلا أن هذه المؤشرات الإيجابية وفي مقدمتها ارتفاع قيمة «اليورو» قد أقلقت الكثير من قيادات البنك المركزي الأوروبي، بالنظر لكونها تعني ضرورة التفكير في تقليص البنك قريبا لبرنامج التحفيز النقدي بما سوف يؤثر على قيمة العملة الأوروبية... وإن كان على مسؤولي المركزي الأوروبي ضرورة إدراك أن مكاسب وقوة «اليورو» تُمثل الوجه الآخر لضعف الدولار، وهي العملة التي لا يستطيع المركزي الأوروبي السيطرة عليها أو التحكم فيها. وذلك بالنظر إلى أن انخفاض قيمة الدولار في الوقت الراهن (على سبيل المثال) يكمن جزئيًا في انحسار التوقعات بقدرة الرئيس «ترامب»في الوفاء بالكثير من الوعود التي أطلقها أثناء حملته الانتخابية وفي مقدمتها زيادة الإنفاق على البنية التحتية وإمكانية خفض الضرائب، بالإضافة إلى تزايد الشكوك فيما يتعلق بقدرة «الاحتياطي الفيدرالي» في رفع معدل التضخم بالبلاد، وعدم رفع أسعار الفائدة قبل ديسمبر المقبل، مع التسليم بأن انخفاض التضخم سوف يترجم تلقائيًا بمزيد من المطالب بتشديد السياسات النقدية لفترة أطول. وقد يتساءل البعض عن سبب التخوف من قوة العملة الأوروبية وارتفاع قيمتها لدرجة (حتى يصدر) إصدار البنك المركزي الأوروبي بيانًا في الأسبوع الماضي ينفى فيه تصريحًا لرئيس البنك «ماريو دارجي» يُعرب فيه عن ارتياحه التام بشأن تحركات «اليورو» خلال الفترة القصيرة الماضية، وأكد البنك في بيانه على أن قوة سعر الصرف وارتفاع قيمة العملة سوف تحول دون ارتفاع معدل التضخم، بما سيضطر السلطات النقدية لاتباع سياسات نقدية تكون كفيلة بخفض سعر صرف العملة الأوروبية وزيادة الأسعار والتضخم وإحداث الرواج. ومن الجدير بالذكر أنه يوجد أكثر من اتجاه داخل البنك المركزي الأوروبي فيما يتعلق بموعد تقليص أو انتهاء برنامج التيسير الكمي وشراء السندات والمقدر بنحو 60 مليار يورو شهريًا والمقرر انتهاؤه في ديسمبر المقبل حيث يرى البعض بأنه لن تكون هناك ضرورة أو مبرر لمواصلة تطبيق البرنامج بوتيرته الحالية في ظل تعافي الاقتصاد الأوروبي. فيما يرى البعض الآخر من قيادات البنك المركزي الأوروبي الإعلان عن مواصلة برنامج التيسير الكمي لما بعد ديسمبر 2017 ولكن بقيم أقل، وأنه سيقوم بمراجعة وتقييم الموقف بين فترة وأخرى مع احتفاظه بحق خيار رفعه من جديد «إذا دعت الضرورة لذلك»، كما أن عليه عدم الربط بين برنامج شراء السندات وأسعار الفائدة المتدنية للغاية... وينبغي على البنك في كل الأحوال عدم التركيز على قيمة «اليورو» بالنظر لعدم قدرته على التحكم الدائم في قيمتها لارتباطها بمتغير آخر هام ونشط ولا يستطيع المركزي الأوروبي السيطرة عليه وهو الدولار.