هنالك قلق من قوة وتأثيرات التجارة الدولية على الاقتصادات الوطنية، أبرز مسوقي هذا القلق هو الرئيس دونالد ترامب الذي يريد أن يعيد أمريكا «عظمى مجددا». يقول ترامب إن الانفتاح التجاري دون حواجز أضر بالاقتصاد الأمريكي. يقول إن الدول الأخرى تضع حواجز أمام السلع الأمريكية، أما أمريكا فتفتح حدودها للجميع. لذا يريد إعادة التفاوض بشأن الاتفاقيات التجارية ويضع التعريفات المرتفعة أمام الاستيراد خاصة الصيني كما يهدد بالخروج من منظمة التجارة العالمية. في الواقع الولايات المتحدة قبل ترامب كانت الأكثر انفتاحا أمام الاستيراد، إذ بلغ معدل التعريفات الجمركية 3,5% مقابل 5,2% للوحدة الأوروبية و9,9% للصين و13,9% لكوريا الجنوبية. الولايات المتحدة هي الأدنى جمركيا ضمن مجموعة الدول العشرين، وهذا أفاد الاقتصاد العالمي دون أن يفيد أمريكا بالنسبة نفسها. هذا كان الواقع، إلا أنه لا يشكل السبب الأساسي لحصول عجز كبير في الميزان التجاري. وضع تعريفات جمركية عالية لا يؤدي بالضرورة إلى خفض العجز التجاري أو إلى إحداث فائض، إذ إن المشكلة أعمق وأوسع وتشير إلى قلب عمل الاقتصاد الأمريكي. كانت الاتفاقيات التجارية أساس العلاقات بين الدول ومن لا يوقع اتفاقيات يعتبر انعزاليا، بل يعزل، فالوحدة الأوروبية لها 40 اتفاقية تجارية والهند 17 واليابان 16 والصين 14 كما الولايات المتحدة. أعاد ترامب المفاوضات ووقع اتفاقية التجارة مع كندا والمكسيك، علما بأن الاتفاقية الجديدة لا تختلف كثيرا عن السابقة إلا أن المهم فيها هو التسويق السياسي الجيد. انسحب ترامب من الاتفاقية مع دول المحيط الهادئ أي 11 دولة مهمة بينها اليابان وأستراليا ولا تضم الصين قصدا. تشكل هذه المجموعة 38% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي و34% من الصادرات و38% من مجموع الواردات العالمية. إذا مجموعة مهمة جدا للشركات الأمريكية ينسحب ترامب من الاتفاقية معها لاعتقاده أنها تضر بمصالح أمريكا ولا تفتح الأسواق أمام السلع الأمريكية. يخشى ترامب دائما وجود حواجز غير ظاهرة تبدأ من الدعم إلى القوانين المحددة للمواصفات، إلى سعر صرف النقد وغيرها. هنالك تغيير كبير في الخريطة التجارية العالمية. في نهاية القرن الماضي كانت الولايات المتحدة المصدرة الأولى للسلع، تبعتها ألمانيا فاليابان وفرنسا وبريطانيا ولم تكن الصين إلا في المرتبة التاسعة. أما اليوم فالترتيب اختلف وتأتي الصين الأولى وثم أمريكا فألمانيا واليابان وهولندا. تبلغ صادرات الصين أكثر من 5 مرات الصادرات الأمريكية وهذا ما يزعج ترامب لأنه يعتقد أن الصين تضع حواجز ويجب «معاقبتها». هنالك عجز تجاري أمريكي مع دول أخرى أيضا منها الوحدة الأوروبية ومن ضمنها ألمانيا ومع المكسيك واليابان وغيرها. هنالك دول أخرى غير أمريكا تعاني من عجز تجاري مهم وفي طليعتها بريطانيا وفرنسا وإسبانيا كما هنالك دول تنعم بفائض تجاري كألمانيا وهولندا وإيطاليا. لا مانع عند ترامب من المنافسة التجارية الشريفة، إنما يعتقد أن اللعبة التجارية الحالية غير عادلة ويجب تصحيحها.