مشاهدات وقراءات من إسبانيا

في حوالي الساعة الثانية عشرة منتصف الليل، هدرت محركات الطائرة، استعدادا للطيران إلى مطار برشلونة، وبدأت في التحرك على مدرجات مطار مسقط الدولي، الذي يتصدر قائمة (أسرع المطارات نمواً في الشرق الأوسط في رضا المسافرين حيث حصد جائزة أفضل مطارات الشرق الأوسط نموا في جودة خدمات المطارات حسب ما أعلنه مجلس المطارات العالمي لعام 2018)، وقفز تصنيفه كأفضل مطار في تقييم (سكاي تراكيب) من مرتبة (118 في 2018 إلى 66 في 2019م)، وهو تطور يشعرنا بالفخر والسعادة ويقودنا سريعا إلى مرحلة تحقيق التطلعات بأن تسهم مطارات وموانئ السلطنة ومشاريعها الاستثمارية الطموحة في تعزيز الموارد. السياحة صناعة، تجعلها الحكومات ضمن أولوياتها في خططها وبرامجها التنموية لاستثمار المواقع التاريخية، والحارات والأسواق القديمة، والأماكن الطبيعية الخلابة، وإنشاء وإقامة المشاريع الترفيهية والاستجمامية والجمالية... وتوظيف التقنيات والخبرات والوسائل الحديثة لخدمة السياحة، وذلك لتنويع مصادرها وتعزيز الموارد وتنمية اقتصاداتها وضمان زيادة عائداتها في الناتج المحلي. السياحة مورد اقتصادي لا ينضب لكنه يتجدد وينمو ويتقدم إذا أحسن استثماره ونجح القائمون عليه في تقديم أنواع وأشكال من السياحة تلبي الرغبات والاحتياجات وتتواكب مع الميول والهوايات، وتستطيع جذب السياح للعودة مرات ومرات إلى ذات المواقع والأماكن التي ربطتهم بها رابطة عشق وجاذبية. السياحة فن وذوق وجمال، هي حقيقة يجب أن يدركها المختصون والمخططون فيضموا إلى مؤسسات وفرق السياحة فنانين معماريين ورسامين ونحاتين لديهم الحس الذي يمكنهم من تقديم حزم من الأعمال والمشاريع السياحية التي تبهر السائح فتلهب مشاعره وتوقد حماسته وتستفز لغته وإمكاناته وقدراته الفنية واللغوية للتعبير عن الإعجاب والانجذاب والتعلق ليصبح أداة ترويج وتسويق ووسيلة إعلان وتشويق تجذب المزيد من السياح من أنحاء العالم. هذا هو فعلا ما أتقنته المؤسسات السياحية في إسبانيا وخططت له ونجحت فيه نجاحا عظيما، فقد تبوأ هذا البلد موقعا متقدما جدا ضمن البلدان التي تستقبل عددا كبيرا من السياح، وتعتمد على السياحة في تمويل خططها وموازناتها السنوية، ففي العام 2017م، تفوقت (إسبانيا على الولايات المتحدة في لائحة أكثر الوجهات السياحية شعبية، واحتلت المركز الثاني، بعد أن كسرت رقمها القياسي من ناحية عدد السياح للعام الخامس على التوالي)، حيث استقبلت وفقا للإحصائيات الرسمية المنشورة (82 مليون سائح أجنبي ما شكَّل ارتفاعًا بنسبة 9% عن السنة الماضية، ومدخولا مقداره نحو 87 مليار يورو، بدون احتساب السياحة الداخلية)، وتشكل السياحة في هذا البلد ما نسبته (10% من حجم الاقتصاد) الإسباني. جاء التراجع المحدود في عدد السياح الذين زاروا إسبانيا في عام 2018م، بسبب التوترات السياسية التي شهدتها كتالونيا، ومنافسة وجهات أخرى بديلة كتونس وتركيا سياحيا، استطاعت أن تجتذب نسبة من السياح إليهما. وتشكل مدن الأندلس التي تحتشد بالآثار الإسلامية القديمة التي لا تزال محتفظة بجمالها وفخامتها وأناقتها وتؤرخ لازدهار وثراء الحضارة العربية واهتمامها بالفنون والعلوم والزخرفة والعمارة منطقة الجذب السياحي الأبرز في إسبانيا ومقصد السياح من أنحاء العالم فـ(مدن الآثار الإسلامية «الأندلس» في الجنوب تبقى المنطقة التي تستقبل أكبر عدد من زوار إسبانيا). الحركة في مطار برشلونة نشطة، والإجراءات سهلة وميسرة، وطوابير الواصلين إليه من كل مكان تتحرك بسرعة، فالوعي بأهمية السائح ودوره في تنشيط الحياة الاقتصادية يدركها الإسبان وهم يستقبلون ضيوفهم بابتسامة وترحاب وتقديم المساعدة لهم كلما كانوا بحاجة إليه.