دور إنساني للنفط

تمر المنطقة العربية بفترة صعبة، تشير إحصائيات الأمم المتحدة إلى وجود 9,2 مليون نازح في المنطقة أو 60% من العدد العالمي، تضاعف عدد نازحي المنطقة مرتين منذ عشر سنوات، هذا العدد لا يشمل النازحين داخل كل دولة. تأثير النزوح كبير على دول المنشأ، إذ يحرمها من أفضل رأس مال إنساني لديها، عليها أن تتجنب في نفس الوقت الانهيار الاقتصادي. هنالك ثقل كبير على الدول المضيفة، إذ تشمل التكلفة المال والتجارة والاستثمارات والسياحة والضغط على الخدمات العامة والغذاء والبنية التحتية والفوقية، لذا تكمن أهمية النفط وأسعاره أكثر من أي وقت مضى لمواجهة التكلفة المالية والإنسانية الكبيرة. بالرغم من ارتفاع أسعار النفط مؤخرا بسبب قرار «أوبك» بخفض الإنتاج 1,2 مليون برميل نفط يوميا بالتعاون مع روسيا، ليست هنالك قناعة دولية تجاه استمرار الأسعار في مستواها. بسبب استمرار الطلب منخفضا والعرض نسبيا كبيرا خارج منظمة الأوبك، من الممكن أن تنخفض الأسعار مجددا، لذا يجب فصل الإنفاق العام في الدول العربية عن أسعار النفط، بحيث لا يتأثر دور الدولة مجددا في الاقتصاد. يؤدي هذا التغيير في السياسة المالية إلى تثبيت الاستقرار أكثر لمصلحة الشعوب وخاصة الطبقات الوسطى وما دون. يجب أن يتم التركيز أكثر على دور القطاع الخاص وتنفيذ مشاريع الخصخصة والاعتماد على الشفافية ومحاربة الفساد بجدية ودون تمييز، يجب الانتقال من دول الرعاية إلى دول الإنتاجية والتنافسية. هنالك عامل مهم هو سعر صرف الدولار الذي يؤثر مباشرة على المنطقة، إذ إن معظم النقد الوطني مرتبط به. ارتفاع الدولار يساعد دول المنطقة التي تستورد معظم حاجاتها من أوروبا وآسيا. يساهم في تخفيف وطأة انخفاض أسعار النفط عندما يحصل من ناحية تكلفة الاستيراد بالعملات الأخرى، بالرغم من الغنى المادي لدول الخليج، لا تستطيع التأثير على سعر صرف الدولار، تغير سعره مرتبط بالتطورات الحاصلة والمرتقبة في الولايات المتحدة منذ انتخاب دونالد ترامب. تقييم النفط بالدولار يربط دول المنطقة كثيرا بالسياسة النقدية للولايات المتحدة الرافعة للفوائد، آخرها ثلاث مرات هذه السنة. هذا يساعدنا عندما تنخفض أسعار النفط ويرتفع سعر صرف الدولار. من الممكن أيضا أن ينخفض الاثنان معا كما حصل سابقا. يتوافر الاحتياطي النقدي العربي والخليجي تحديدا بالدولار وبالتالي هنالك مصلحة في بقاء الدولار قويا. هل هنالك مصلحة اليوم في تعديل العلاقة بين النفط والدولار؟ هل هنالك مصلحة في تعديل العلاقة بين النقد العربي والدولار؟. الحل الأفضل على المدى المتوسط هو ربط المنطقة بسلة عملات أساسية لحماية المواطن والاقتصاد. في ظل التقلبات الدولية، لا مصلحة في التغيير اليوم، لكن هنالك مصلحة في التغيير المشترك عندما يحين الوقت. لو استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي تنفيذ الوحدة النقدية، لكان النقد المشترك مرشحا للعب دور عالمي من ثاني أكبر وحدة نقدية في العالم، إلا أن هذا المشروع مؤجل. التحديات الإنسانية الحالية تفرض الوعي والتنبه.