الحياة الاقتصادية في إندونيسيا 1/2

رغم عدد السكان إلا أن التسول شبه معدوم على مدى أسبوعين عشتهما في عدد من المدن الإندونيسية سوف أعرض في جزأين من هذا المقال مشاهداتي لملامح الحياة الاقتصادية على شكل نقاط مختصرة بما يتناسب مع طبيعة وحجم المقال، وذلك على النحو التالي:  • تعبر الأسواق الحرة في المطارات الدولية عن قيم العولمة وثقافتها التي غزت العالم ممثلة في المحلات والماركات والعلامات التجارية العالمية، التي تقدم وجباتها الغذائية وأنواع عطورها وصناعاتها من الملابس والحلويات والتبغ وغيرها والتي تنتمي إلى عشرات الثقافات لشعوب ودول متعددة، وتضخ إلى شرايين الاقتصاد العالمي موارد جديدة تعزز نموه وتعمق تواصله وترفع من درجة ومستوى اعتماد قطاعاته على بعضها البعض، فما إن يتداعى عضو من أعضائه إلا اشتكى بقية الجسد وتأثر. • أجريت دراسة متخصصة لمعالجة الازدحام الخانق في شوارع جاكرتا، وأوصت الدراسة باستلهام التجربة الكولومبية المتضمنة تخصيص مسار رئيسي ومستقل لباصات النقل وهو ما تم تنفيذه بالفعل، ما أدى إلى نتائج إيجابية فإلى جانب التخفيف من مشكلة الازدحام وفرت هذه الشبكة الكثير من فرص العمل وعززت الموارد المالية لقطاع النقل. • يبلغ عدد سكان جاكرتا حوالي 18 مليون إنسان يزيدون فترة النهار إلى 20 مليونا، وتسير في شوارعها أكثر من ثلاثة ملايين سيارة وتسعة ملايين دراجة، ويزيد متوسط دخل راتب الموظف في العاصمة الذي يصل إلى ثلاثة ملايين روبية عنه في الأقاليم والمناطق الأخرى نظرا لارتفاع تكلفة المعيشة في جاكرتا عنه في خارجها، ورغم هذا العدد من السكان إلا أن التسول شبه معدوم. • ميناء (سلوندا تيلابا) الذي بني في القرن الخامس عشر وظل لقرون الميناء الرئيسي في نقل البضائع والسلع والمنتجات بين مناطق وجزر إندونيسيا وجاكرتا وبالأخص جاوى وسومطرة، صنف في السنوات الأخيرة بعد قيام عدد من الموانئ الأخرى البديلة والمتطورة ضمن المعالم السياحية في جاكرتا الذي يقصده السياح، وكانت السفن التي صنعت جميعها في الجنوب الإندونيسي بأشكالها الصغيرة والمتوسطة والكبيرة والقوارب تمتد لما يزيد على بضعة كيلو مترات، والحركة نشطة في نقل وتفريغ البضائع ومئات الحاويات ونقل السياح للتعرف على الميناء، الذي وفر الكثير من فرص العمل لشريحة واسعة من السكان. • ينتشر الباعة في العديد من الشوارع الرئيسية في المدن، مستثمرين الازدحام الخانق وإشارات المرور في وضعها الأحمر لعرض عشرات السلع والبضائع بما في ذلك الجرائد والمياه والمرطبات والمناديل والملابس ولعب الأطفال. • السائق الذي أخذنا إلى مطار (بالي) في ختام زيارتنا لها، أكد على أن معظم قائدي السيارات الذين ينقلون السياح لديهم معلومات متكاملة عن المواقع والمعالم السياحية، فهم يجمعون في اختصاصهم بين القيادة والمرشد السياحي، وتقتضي مهمتهم نقل المعلومات إلى السائح ليشعر بالراحة ويتخذ قراراته على ضوء معلومات دقيقة وبما يتناسب مع متطلباته واحتياجاته، وهو – أي السائق – كان نحاتا خشبيا في السابق وتخلى عن حرفته بعد تفجيرات 2004 بسبب تراجع الطلب على المنتجات الخشبية ووصوله إلى مستوى الإفلاس ما اضطره إلى تغيير مهنته التي لا يزال يحنّ إليها، فالمواطن هنا مهيأ لاستبدال مهنته الأصلية بأخرى لتعزيز مستوى دخله، أو متى ما وجد أن الأولى لم تعد تفي بمتطلبات أسرته المعيشية، على عكس المواطن في دول الخليج الذي لا يزال يعتمد على الحكومة في توفير فرصة عمل له. • شهدنا أكثر من مظاهرة في جاكرتا لشباب وشابات، تتبعهم آليات الأجهزة الأمنية ومكافحة الشغب، عرفنا أن المظاهرات تهتف ضد الفساد وتدعو إلى محاسبة المفسدين في الحكومة.. إنه الغول المتفشي في أوصال الحكومات والساسة في أنحاء العالم كان ولا يزال العامل الأساسي لثورات الشعوب ومآسيها في الوقت ذاته. نستكمل ما تبقى من المشاهدات في الجزء الثاني من المقال في الأسبوع المقبل.