في ردهة الفندق (HOTEL GRANADA CENTER) المكون من ثمانية طوابق، ظهرت بتصميمها الهرمي، في قلب غرناطة، كانت المصاعد الأربعة، تتحرك صعودا وهبوطا بدون توقف، الساكنون فيه في حالة من النشاط والحركة والحيوية، وموظفوه في الاستقبال ينهون إجراءات المغادرين والقادمين ويجيبون على أسئلة السياح لتوجيههم وارشادهم إلى قلب المدينة النابض بالحياة، المدينة القديمة، قصر الحمراء، المواقع السياحية المهمة ... المطعم هو كذلك خلية من النشاط لتقديم وجبات الافطار للمقيمين، لحظتها تركت كتابي الذي انفردت به - وفقا لبرنامجي اليومي - وجلست أتأمل المشهد وأفكر كيف تثري الحركة السياحية الأسواق والقطاعات الاقتصادية الأخرى، هذا فندق واحد ضمن عشرات الفنادق الأخرى، كم من الموظفين يعملون فيه؟ ما حجم السلع والبضائع والمشتريات التي يطلبها يوميا من السوق؟ شركات الصيانة والتنظيف وادارة الشبكة والمكاتب السياحية والنقل التي تتعاقد معه لخدمة المبنى وسياحه؟ ولنقس على ذلك ما يضخه هؤلاء السياح من أموال في الأسواق والمواقع السياحية وشركات الطيران ومطارات العالم ... هذا هو الاقتصاد الحقيقي في عالم اليوم مبني على الترابط والتشابك والاستثمار المتقن المدروس في عالم منفتح تربطه شبكة من المعلومات والاتصالات التي على ضوئها يبني السائح والمستثمر قراره؟ والسياحة صناعة وفن وادارة واستثمار عائده مجزي على الاقتصاد. في سوق اللحوم والأسماك والخضار في اشبيلية تنتشر المقاهي الحديثة التي تقدم خدماتها للمستهلك والسائح والبائع والعاملين فيه ضمن رؤية اقتصادية تقوم على التكامل في الخدمات، وتشغيل وتنشيط الأوردة الاقتصادية لبعضها البعض والتي من فوائدها الهامة كذلك توفير أكبر قدر من الوظائف، ما لفت انتباهنا وجود مسرح صغير داخل السوق يقدم عروضا مسرحية وموسيقية يجذب المستهلكين ويخلق المزيد من النشاط والترفيه ولأن الفنون جزء رئيسي من ثقافة الإسبان يحتاجها حتى العاملون في هذا السوق الجميل، عندما طرحنا عدة أسئلة على أحد بائعي الفواكه والخضروات عن مصدرها وفيما إذا كانت اسبانية أو من خارجها، وعن الأسعار والأنواع والحركة الشرائية كانت اجاباته واسعة وتنم عن معرفة وثقافة متنوعة واحترام للسائح، فرغم إدراكه أن زيارتنا ووجودنا ليس بهدف الشراء إلا أنه أجابنا على أسئلتنا بصبر وتحمل وترحيب بالمزيد من الأسئلة، أسعار الخضروات والفواكه متواضعة جدا أما اللحوم والفواكه فمرتفعة السعر . كهف (نيرخا)، في ملقا لم أر فيه يميزه عن كهف (الهوته)، والأخرى المتناثرة في ربوع السلطنة والذي يستدعي تتابع هذه الأفواج السياحية التي تقف طوابير أمام كشك التذاكر، وتقف مرة أخرى أمام المدخل الرئيسي للكهف انتظارا لمغادرة السابقين إليه واتقاء الازدحام، السر هنا أن القائمين على السياحة أتقنوا صناعتها وفهموا أسرارها واشتغلوا عليها ونجحوا في تجويد الخدمات وإعداد حزمة من الخيارات التي تفي بمتطلبات واحتياجات السائح وترضي ميوله ورغباته، وعلى سبيل المثال تم اكتشاف هذا الكهف في 1959م، وأصبح بعد سنة جاهزا ومعدا بالخدمات لاستقبال السياح، لم يتطلب الأمر خطة ولا استراتيجية ولا رؤية سياحية مستقبلية.
