تناولت كتب السيرة والفقه الكثير من قواعد الاقتصاد الإسلامي الضرورية للحياة ومنها نظرة الإسلام للعمل والحث عليه، وخاصة احترام قواعد العمل والإنتاج والإتقان في كل شيء. وهذه المبادئ يبدأ تقديسها من خلال حث الوالدين على الأبناء بضرورة احترام قواعد العمل لتبدأ بعدها مراكز التعليم والتدريب والمجتمع المسلم بأكمله في توصيل هذه الرسالة لتوظيف جميع الأفكار والمبادئ في مجالات العمل، لكي يتمكنوا لاحقا من الابتكار وتحقيق المزيد من الإنتاج والإتقان. وقد حث النبي الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم على العمل اليدوي وشجع الناس على ممارسة أي مهنة يمتهنها الشخص بحيث تكون بعيدة عن معصية الله. والعمل يعني زيادة معدلات الإنتاج، في الوقت الذي يمكن فيه أن تتراجع حالات البطالة أيضا. ومن خلال ممارسة الأعمال تزداد أيضا معدلات الرفاه الاجتماعية، وتقل حالات الإضرابات والاضطرابات التي قد تؤدي بعضها في النهاية إلى التوقف عن العمل والإنتاج، وإلى إلحاق الخسائر بالاقتصادات، وتراجع معدلات الاستثمارات وهروبها إلى الخارج، وبالتالي إلى حدوث الإفلاسات للشركات والمؤسسات. فكلما ازداد الاحترام للعمل والإنتاجية تراجعت أيضا معدلات الفساد والتخلف الصناعي والمهني. كما أن الإسلام يحث على تقديس العمل وعدم استجداء المال من الناس، بل يحث على بذل النفس والمال في سبيل التنمية التي تعود بالمنافع والإيجابيات على صاحب المال وعلى العاملين الآخرين عند مشاركتهم في تلك الأعمال والخوض في غمار الإنتاج والتصنيع. وفي ذلك يقول عزّ وجلّ في كتابه الكريم: «هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النّشور» (الملك/ 15). والرسول عليه الصلاة والسلام كان ينظر إلى العامل نظرة مليئة بالاحترام والتقدير نتيجة للجهد والعناء والتعب الذي كان يتحمله الفرد في عملية الإنتاج والإتقان سواء في مجال الرعي أو الزراعة أو التجارة أو في أي مهنة محترمة أخرى. وقد صافح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرة رجلاً فوجد يده خشنة من آثار العمل اليدوي فقال عليه السلام: «هذه يد يحبها الله ورسوله». كما يؤكد الرسول عليه الصلاة والسلام ضرورة احترام العامل والأجير وعدم استغلاله وأكل حقوقه والنقص في أمواله، حيث يقول عليه الصلاة والسلام: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه»، الأمر الذي يتطلب من أصحاب وأرباب العمل ضرورة عدم الإفراط في حقوق العمال وتقديم الحوافز والمكافآت لهم في حالة إخلاصهم في العمل والإنتاج والإتقان. وهذا الأمر حتما سيؤدي إلى تقليل الإضرابات والفرقة والبغضاء والحقد الطبقي بين العمال، وإلى تحقيق المزيد من الإنتاجية والعطاء والنمو في الأعمال والابتكار، والتركيز على الإتقان بالعمل والحرص على جودة المصنوع وعدم الغش. وهذه أيضا من أساسيات العمل والإنتاج التي يدعو إليها الإسلام، حيث يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه». فالشريعة الإسلامية تنهى عن الغش والاحتيال والتلاعب في كل شيء، لأن ذلك يؤدي إلى ضرر الآخرين، وربما إصابتهم بالمكروه نتيجة لعدم الإتقان في المنتج الذي يستخدمونه بسبب رداءة الجودة والإتقان، الأمر الذي ربما يقلل من الإقبال على ذلك المنتج وبالتالي إلى توقف الناس عن شرائه وانهيار تلك المؤسسة. وهذا ما تحاول الدول المهتمة بالتصنيع والإنتاج تجنبه. وعموما فإن لدى المسلم الكثير من الخيارات يمكن القيام بها في عملية الإنتاج من خلال توجهه إلى الأرض لزراعتها أو التوجه نحو البحر للصيد أو العمل في غيرها من المهن الأخرى التي يمكن أن تعود عليه وعلى المجتمع بالكثير من المنافع والإيجابيات.