يسعى "باتريك كاباندا"، من كتابه هذا، إلى بناء الروح الإنسانية، إلى تحقيق هدف أسمى، ومحتوى عظيم لحياة الإنسان، أكبر وأشمل من مجرد هدف مادي يحتشد بالخطط والاستراتيجيات والتفكير في المستقبل والوظيفة والمال والمنافسة عليها، التي تتجاهل البهجة والسعادة والحب والشغف باكتشاف صور أخرى للكون الذي نعيشه ولوحاته الجمالية، ومفاتن الطبيعة التي تنعش القلب والروح وتحفز على التدبر وتوليد الأفكار الخلاقة، إنها الفنون التي تشعرنا بقيمة الاندماج مع الآخر، وتلاقح الأفكار وذوبان الشعور بالتعصب والتمييز والقسوة، ومنح الفرص "لتعزيز السلوك الاجتماعي وكذلك العمليات الخاصة بالدافعية، وتشكيل المعرفة، والميل إلى المخاطرة، واكتساب مهارات القدرة على الملاحظة وكثير من الأمور المماثلة..". ومثلما يشير الكاتب فإننا سنحتاج "إلى أن نأخذ وقتا كي نفهم الأنشطة الثقافية، وأن نفهم كذلك كيف يمكن لهذه الأنشطة أن تمارس دورا مفعما بالمعاني في عملية بناء عالم أكثر أمنا وسلاما، ويكون موجودا داخل هذه العولمة الحديثة". إن الإبداع يعمق الوعي وينمي قدرات التفكير ويسهم في معالجة الكثير من المشاكل المجتمعية حيث تؤكد الدراسات على أن "سماع الموسيقى قد يزيد من مستوى درجات الطفل الصغير في الرياضيات، بل وقد يؤهله لكي يلتحق، بعد ذلك بجامعة هارفارد". وهي دعوة بأن يكون للإبداع بأنواعه مساحة مقبولة في مناهج التعليم والمدارس والجامعات تساعد الطالب على تنمية مواهبه وتعزيز ذائقته الفنية وتحفيزه على التفكير والاستيعاب ومهارة التعامل مع مفردات الحياة والتوازن في الحقوق والواجبات بين الجسد والعقل والروح، العمل والمتعة والجد والترفيه... وبأن نحول الإبداع والفنون والمهارات الثقافية إلى منتج اقتصادي قادر على معالجة مشكلات الفقر والبطالة والانكماش الاقتصادي والأزمات المالية... وبأن يتم حفظ وتوثيق وتطوير الفنون باعتبارها ثروة بشرية وتاريخية وثقافية... إن "تعليم الفنون قد يساعد الطلاب على تطوير حب الاستطلاع المعرفي لديهم، وأن ينشئوا كذلك علاقات بين الفنون والموضوعات الأخرى التي يدرسونها، وأن يتقبلوا بسرور التعاون مع آخرين، وأن يدركوا أن الفوز لا يكون معناه، دائما الكسب، وأيضا أن يتعاملوا بكفاءة مع الغموض، ومثل هذه المعرفة تساعد الطلاب أيضا على أن يكونوا أفرادا يتمتعون بأساليب تفكير أكثر تحضرا وأكثر خيالية أيضا... إن الفنون تجسد الإبداع والابتكار؛ وتمتلك دورا رئيسا كي تؤديه في عملية تبني المعرفة من أجل التنمية". وفي إضافة أخرى لا تقل أهمية، يشير الكاتب في الصفحة 71 من مؤلفه الشيق، إلى أن الموسيقى تساعد كذلك على "تقوية أواصر التضامن التي تولدها تلك الهويات الجمعية، بل يمكنها أيضا أن تساعد في التغلب على عمليات التجميع المقسمة الضيقة والتي تميل إلى قسمة الثقافة إلى جماعات متصارعة تشتبك بعضها مع بعض في معارك تدور على طول تلك الخطوط الخاصة بعمليات الانفصال "الدائمة المفتعلة"، فيما ساعدت الموسيقى على "البروز والتفوق من داخل ذلك الواقع المحير، والغارق في المخدرات، والعنف، في قلب أحياء مدينة ريو الفقيرة". وقد أسند "باتريك"، رؤيته بشأن الفنون بالكثير من النماذج والأمثلة التي ألهم فيها الفن عقل الإنسان وألهب خياله، ففي فنزويلا تمكن البرنامج الموسيقي "أي النظام"، من تحويل "الأطفال المحرومين" إلى "مسار النجاح". "يتبع".