تستهويني سباقات الصيد بالصقور، هذه الرياضة المحببة لدى اعداد غير قليلة من ابناء المنطقة الخليجية، وأتوقف امام أي نقل تليفزيوني لهذه الرياضة رغم عدم الممارسة والجهل بقواعد منافساتها. وتستمر المتابعة رغم أن لي مع احد طيور السماء ذكرى المفروض أن تترك عقدة في النفس وليس متابعة وإعجابا. * منذ زمن طويل تفاجأت وأنا طفل على سطح دارنا الريفي بطير جارح يهبط من السماء ويخطف قطعة لحمة من يدي، فأحدث في أصابعي ما تيسَّر من تمزقات تكفي لإصابتي بفوبيا طالما تحدث عنها فقهاء الطب النفسي. لكن تلك الحادثة المبكرة لم تزدني إلا إعجابا - ليس بالطيور المحلقة في السماء فحسب وإنما أيضا- بصراع الديوك على الأرض، حتى أنني حملت ديكًا من البيت ليصارع ديكا في مكان آخر داخل القرية، وضاع الديك لأحصد من والدي توبيخا حادا كنت أستحقه بحسابات قواعد التربية في تلك الأيام. * وما زلت إلى الآن طيراني الهوى رغم أن واقع الحال يؤكد أن لا صوت يعلو فوق صوت كرة القدم ومنافساتها ونجومها، رغم أن إحصاء المنافسات الرياضية في الألعاب الأخرى يحتاج الى ورقة وقلم. وطالما وجدت نفسي وقد اقحمت الطيور في نقاشات مجتمعية سياسية على نحو التكرار بأنه لن ينصلح حال هذه الأمة إلا عندما تقف طيور الحمام على كفوفنا في الميادين وتلتقط الحبوب دون فزع أو خوف، وهو ما لم اشاهده إلا في ميادين عامة في دول غير عربية مع الأسف، رغم أننا ندين بعقيدة عظيمة تأمرنا بالمحبة والسلام والعطف على مخلوقات الله. ومع ذلك ها أنا أتناقض في الموقف من الطيور الفرائس. * وطالما حرصت على زيارة اسبوعية الى باب اليمن في صنعاء لأتجول في سوق تباع فيه أعداد من الحيوانات منها ما يطير ومنها ما يمشي على اثنتين او اربع بما فيها كلاب اجنبية تأثرت هي الأخرى بزمن الحرب. ومعروضات هذا السوق تلفت أنظار المتجولين الى طيور جميلة لا يعرف الكثيرون أسماءها أو أهميتها أو ما تستحقه من الثمن. * وهنا أتمنى لو يكون هناك جهات تُعنى بتقديم معلومات وافية عن الطيور السلمية والجارحة اصيلها ومهاجرها ومواطنها والعمل على جذب الأجيال الجديدة الى الرياضات التاريخية، خاصة ان هناك من يصطاد طيورا ولا يعرف لها قيمة مادية او يجيد لها معاملة مناسبة. * ويمكن ملاحظة الجهل بهذه الأمور عندما يقوم البعض بعرض صور طيور يمتلكونها ويكون في ذلك مجال للسؤال والجواب عن الطير اسم واهمية وقيمة فينكشف كم هو جهلنا بالطيور وأسرارها وجمالياتها. ويكفي ان نتعلم منها وهي تجتهد لتصل إلى طعامها وطعام صغارها بعيدا عما يمارسه بعضنا من التسويف والتواكل المجهض للطموحات والمعادي لأبجديات الحياة. * عود على بدء سيكون جميلا لو زاد اهتمامنا برياضة الصقور كإرث حضاري عربي جميل. صحيح هناك مهرجانات وبطولات وهناك من الميسورين من يسافر الى افريقيا او باكستان لممارسة هذه الرياضة ولكن الصحيح أيضا أن يزداد الوعي بعالم الطيور، جمال ورياضة مارسها الأوائل بكل شغف. واستوعبوها من لحظة الامساك بها كفراخ الى تدريبها على الصيد وحتى اطلاقها عندما تكبر باتجاه اجواء الحرية دونما نسيان حقيقة أن للطير منطقه منذ هدهد بلقيس الحضارة السبئية وحكايتها مع نبي الله سليمان والى ان يشاء الله.. * والموضوع ليس موضوعا ترفيا خارج منطق حياتنا، بدليل أننا ما نزال نعلق على الفريق الرياضي الذي حسم البطولة بعد جهد ومثابرة. (لقد طارت الطيور بأرزاقها) وغير ذلك ليس إلا جهلاً نستدعي به الحكمة. واللي ما يعرف الصقر يشويه.. ويقول عنه دجاجة!