التجربة النقدية في الهند

التجارب العالمية للتخلي عن النقد ليست عديدة، لكن أهمها ما حصل في الهند، تشير الأمم المتحدة إلى أن عدد سكان الهند سيبلغ 1.7 مليار شخص في سنة 2050 مقابل 1,35 مليار للصين. نما الاقتصاد الهندي سنويا بمعدل 4.5%، كما أن نسبة الدخل الفردي الهندي من الأمريكي ارتفعت من 5% إلى 11% خلال العقود الأربعة الماضية. في 2016 وبشكل مفاجئ في مجتمع يعتمد على النقد، قرر رئيس الوزراء «مودي» إلغاء الأوراق الكبيرة من النقد، أي أوراق الـ 500 والألف روبية. طلب من الذين يملكونها أن يضعوها في حساباتهم المصرفية قبل آخر السنة، حيث ستلغى، أي شخص يرد إلى المصرف أكثر مما يوازي 3700 دولار يجب أن يبرر لماذا احتفظ بهذا القدر من النقد ويثبت أنه يدفع الضرائب أو يخضع لعقوبات تصل إلى 200% من المبلغ غير المسدد. هرع الهنود إلى شراء الذهب للتخلي عن النقد مما سبب ارتفاعا كبيرا في أسعار المعدن الأصفر. المعلوم أن 99% من الهنود يتهربون من الضرائب، إذ يعملون في الاقتصاد غير الشرعي. تشكل هذه الأوراق 86% من قيمة النقد المتداول، أي قرارا موجعا جدا لمجتمع يعتمد بشكل أساسي على النقد، أي 78% من التبادل التجاري العادي. تهدف سياسة «مودي» إلى مكافحة الفساد والتزوير النقدي كما إلى مواجهة كل العمليات الإرهابية وغير الشرعية، كما إلى ضرب التهرب الضريبي المرتكز على العمليات النقدية. هنالك دراسات عدة قيمت النتائج المتوقعة للسياسة النقدية الجديدة، أي انخفاضا للناتج المحلي بين 2 و4%. لم يحدث أي شيء من هذا القبيل، بل كانت النتائج مفاجئة ومعاكسة، أي ارتفاع الناتج في الفصل الأخير من 2016 حوالي 7% وارتفاع مؤشر الصناعة 2,7% في الشهر الأول من 2017 بحيث بقيت الهند الاقتصاد الأسرع نموا في العالم. ارتفعت البورصات الهندية وكانت النتائج إيجابية، إذ إن المواطن الهندي قبل هذه السياسة كوسيلة فاعلة لمكافحة الفساد. ما هي النتائج الأخرى؟ ما زال النقد موجودا في الفئات الصغيرة وبالتالي مصالح المواطن الهندي العادي، أي الفقير، ما زالت محترمة ومؤمنة. فالسحب النقدي ارتفع 0.6% بين مارس 2017 ومارس 2016، التعلق بالنقد ما زال قويا، ارتفعت الإيرادات الضريبية خلال شهر فبراير 2017 الماضي 10% نسبة لفبراير 2016 وهذه نتيجة جيدة ومميزة. وضعت الحكومة إجراءات جديدة تتلخص بالمساعدات والحوافز للشركات التي تبتعد عن النقد في تبادلاتها، أي في الدفع والقبض. إلغاء الأوراق النقدية الكبيرة أي ما يوازي 100 دولار يعاقب الفقراء ويسرق حريتهم دون أن يؤدي بالضرورة إلى النتيجة المرجوة وهي ضرب الفساد والعمليات غير الشرعية. إن التجربة الهندية وإن لم تكن كارثية حتى اليوم لن تعطي الثمار المرجوة وسيضطر الحكام المقبلون إلى إعادة ما أخذوه معتمدين على تقنيات جيدة في إصدار أوراق لا يمكن تزويرها. الرقابة الرسمية تبقى ضرورية ضمن تقنيات متطورة تحترم الحريات وتعطي النتائج.