تحذيرات كريستين لاجارد، مدير صندوق النقد الدولي من تداعيات الأزمة الاقتصادية النفطية على الدول الخليجية، وبالذات هبوط معدلات النمو الاقتصادي، وظهور العجوزات في موازناتها، هذه التحذيرات مبنية على قناعة بأن الدولة الريعية الخليجية قد استنفدت دورها، الأوان قد حان لاقتناص فرصة التراجع في أسعار النفط للقيام بإصلاحات اقتصادية، تسمح بالانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل دولة الرفاه الخليجي، لكن على أسس مختلفة. فالدولة الريعية الخليجية قد تكون لعبت دورا مهما في تسريع انتقال المجتمعات الخليجية إلى مرحلة حضارية متطورة، احتاجت معها أن تكون الدولة هي التي تتولى إنفاق إيرادات بيع المصدر الأهم لديها وهو النفط - الذي يمثل بالمعدل بين 55-60% من الناتج المحلي الإجمالي للدول الخليجية وأكثر من 85% من موارد موازنتها- وذلك لإحداث أثر مجتمعي إيجابي فعال ونوعي ومكثف، في أقصر مدة ممكنة، وهو ما ساهم بنهضة استثنائية فريدة، كان من نتيجتها أن أصبحت الدول الخليجية في قلب الحدث الاقتصادي العالمي، ومجتمعاتها في قمة هرم الرفاهية العالمية، لذلك كانت للدور والسياسة الريعية جوانب مفيدة بالارتقاء بالمعايير الحضارية الخليجية. هذا الدور للدولة الريعية الذي شكل طبيعة العلاقة بين الدولة والمجتمع، يواجه اليوم عدة تحديات، لعل أخطرها تذبذب أسعار النفط، الذي أثر على حجم الإيرادات وبالتالي النفقات التي يمكن للدولة الاستمرار بها، فمع كل تطور إضافي في المجتمع، وزيادة عدد أفراده، تزداد الحاجة لمزيد من النفقات، ومع كل ارتفاع في النفقات يتم الاعتماد أكثر على النفط سعراً أو ضخا، وهو ما شكل دوامة كان من نتائجها قيام بعض الدول الخليجية، وفي المقدمة منها قطر، بالعمل على تنويع اقتصادها، وتقليل الاعتماد على النفط والغاز كمصدر أساسي للإيرادات، لتكون النتائج القطرية بالذات مبهرة، مع زيادة مساهمة القطاع غير الرسمي بنسبة 62% من إجمالي الناتج المحلي القطري في العام 2014، مقابل 38% للقطاع النفطي، وهو تنويع استدعى جهدا وتخطيطا وإرادة سياسية وقيادة حكيمة، وهو ما تتم المراهنة عليه للانتقال خطوة إضافية نحو التخلص من ثقافة الدولة الريعية. وفكرة التخلص هذه لا تعني إلغاء رفاهية المجتمع، بل الذهاب أبعد نحو توطين فكرة وثقافة دولة الرفاه، والتي تحمل في طياتها تركيز الاهتمام على رفاهية المواطنين، لكن مع تحميلهم جزءا من الكلف والنفقات، وذلك في إطار المشاركة في الغرم والغنم من جهة، ولتحمل مسؤولية المحافظة على المكتسبات القائمة من جهة ثانية. التطور نحو دولة الرفاه الاقتصادي يعني أن الناس وهم يشعرون ويعيشون الرفاهية، فإنهم يشاركون بصنعها من خلال العمل والإنتاج، أي بالانخراط الكامل في دورة الحياة الاقتصادية، لأن الدول الخليجية لم يعد همها التقدمات الاجتماعية لمواطنيها فقط، بل أصبح وبفعل تطورها، والأدوار التي تلعبها إقليميا ودوليا، بحاجة لمزيد من الإنفاق على أوجه جديدة لها أولوية لأمنها، ومستقبلها، ودورها الإنساني في محيطها العربي والإسلامي.