تعرف الخصخصة اختصارا بأنها انتقال أو تحويل عدد من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية التي تشرف عليها وتمولها وتديرها الحكومة، من القطاع العام إلى القطاع الخاص وذلك في إطار القوانين والأنظمة التي تضعها الدولة وتنظم من خلالها عمل هذا القطاع. إذ إن الحكومة في المفهوم الاقتصادي الحديث، يجب أن تهتم بقضايا تحسين وتهيئة المناخ الاستثماري المحفز للقطاع الخاص وتطوير وتحديث التشريعات والقوانين والعمل الرقابي والبنى التحتية وتعتني بالملفات السياسية والأمنية والاجتماعية التي ترتبط بالسياسات العليا. وقد ظهرت أهمية قيام بعض الحكومات الخليجية بتخصيص عدد من القطاعات التي تشرف عليها وتديرها بقوة في الأشهر الأخيرة كواحد من الخيارات الأساسية لمعالجة تأثيرات انخفاض أسعار النفط الحادة في الأسواق العالمية وتوفير موارد جديدة للخزينة العامة أو رفع العبء عنها، إذ إنه من المعلوم أن إشراف وإدارة الحكومة على بعض القطاعات كانت له مبرراته وأسبابه المعروفة في المراحل الأولى لبدايات تشكل الدولة الحديثة. ومن الأهمية أن يتم الاتجاه في البدء إلى خصخصة القطاعات ذات الطبيعة التجارية البحتة أو الغرض التجاري التي تدخل بشكل طبيعي ضمن مظلة القطاع الخاص وتتماشى مع سياسات اقتصاد السوق الذي تتبناه الدول الخليجية والذي يقضي بترك النشاط الاقتصادي عموما لمبادرات القطاع الخاص، ومنها على سبيل المثال لا الحصر قطاعات الأسماك – الطحين – الأسمنت - النقل. إذ من المعلوم أن إدارة القطاع الخاص لمثل هذه القطاعات ستكون أكثر قدرة على رفع كفاءتها وتجويد العمل وتحسينه وتطوير الأداء فيها وضبط الشأنين الإداري والمالي والتدقيق عليهما بما في ذلك الفصل بين مهام وضع السياسات الاستثمارية والمتابعة والتقييم من جهة ومهام الإدارة والتنفيذ من جهة أخرى، وهو ما سوف يسهم في زيادة الربحية مقارنة بالقطاع الحكومي ومعالجة البذخ وتبذير المال العام وتجفيف منابع الفسادين المالي والإداري، والتي دائما ما تعاني منهما الشركات المملوكة للحكومة في أي دولة مثلما هو معروف. هذا جانب، ومن جانب آخر فإن خصخصة الشركات الرابحة سوف توفر موردا للخزينة العامة وتخفف من خسائر تراجع أسعار النفط وتسهم في تمويل مشروعات خدمية لا تتوافق طبيعتها مع نشاط القطاع الخاص، كالطرق والصحة والتعليم وتطوير البنى التحتية التي تخدم القطاعات ذات الطابع الاقتصادي وتعزيز مواردها المالية في الاقتصاد القومي، وسوف تزيح عن كاهل الحكومة وتخفف العبء عنها إن كانت شركات تحقق خسائر. ففي المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، تدرس الحكومة (إعادة هيكلة الاقتصاد وتحرير أسواقه، من خلال خصخصة قطاعات حكومية). وكان الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد السعودي قد صرح مؤخرا بأن السعودية تدرس طرح أسهم من شركة أرامكو في البورصة، لتحقيق (الإصلاح الاقتصادي والانعتاق من متلازمة الإنفاق الحكومي وتقلبات أسعار النفط). وتواجه سياسات الخصخصة العديد من المعوقات والتحديات سوف نستعرضها في الجزء الثاني من هذا المقال، بمشيئة الله.