النفط الصخري

رغم أن حجم خفض الإنتاج الذي أعلنته أوبك والدول المتحالفة معها البالغ 9.7 مليون برميل يوميا يعتبر الأكبر في تاريخ الصناعة النفطية، إلا أن تأثيره على الأسعار كان متواضعا بسبب أن حجم التخمة في السوق أكبر من ذلك بكثير وكان يؤمل أن تشارك الولايات المتحدة بفعالية في برنامج الخفض هذا، لكنها اكتفت بكلام عام عن تأثير الأسعار المنخفضة ودفعها للإنتاج الأمريكي خاصة من النفط الصخري إلى التراجع. الصورة العامة تسند هذا التوقع لكن إلى حد ما، فمنذ بدء تراجع الأسعار في العام 2015 فإن أكثر من مائتي شركة في مجالي النفط والغاز أعلنت عن اتخاذ إجراءات لإعلان إفلاسها، وأن العام الماضي وحده شهد ارتفاعا بنسبة 50 في المائة في أعداد الشركات المعلنة عن الإفلاس. ويعتقد أن لهذه الشركات ديونا تتجاوز 121 مليار دولار، وفي تقدير لصحيفة وول ستريت جورنال فإن السنوات الأربع المقبلة ستكون الفترة التي ينبغي فيها تسديد ديون هذه الشركات. لكن واقع الحال أنه رغم الظروف المالية الصعبة، إلا أن الإنتاج الأمريكي المحلي بصورة عامة وذلك المنتج من الصخر لا يزال يقاوم، بل ويتوقع أن يحقق هذا العام زيادة تتجاوز المليون برميل يوميا ليصل إجمالي الإنتاج هذا العام إلى 13.3 مليون، ولو أن العام المقبل ستتراجع الزيادة إلى 400 ألف فقط، الأمر الذي يشير إلى أن تأثير ما يجري سيبرز بصورة جلية العام المقبل وذلك وفق تقديرات إدارة معلومات الطاقة. وهذا الوضع يعود إلى تأثير عاملين: ان تراجع الأسعار وتأرجحها ليس جديدا وكان رد فعل الشركات عبر السنوات بذل جهد أكبر في جانبي تقليص وترشيد المنصرفات من ناحية وتعزيز القدرات التقنية والإدارية من الناحية الأخرى لتحقيق أداء أفضل، الأمر الذي وفر للشركات خبرة وتقاليد يمكن البناء عليها للإبحار عبر الظروف الصعبة التي تمر بها الصناعة في الوقت الحالي. أما العامل الآخر فيعود إلى الطبيعة الجيولوجية للنفط الصخري في مقابل النفط التقليدي. ولخص دانييل يرجن الباحث في شؤون النفط الوضع بقوله إن الشركات تفلس، لكن الصخور لا تفلس وذلك في إشارة إلى أن الصخور تظل محتفظة بما لديها من احتياطيات يمكن العودة إليها واستغلالها مستفيدة من البنية الأساسية الموجودة والتحسينات المتتالية التي تطرأ على الجانب التقني تحديدا في مجال التكسير والحفر الهيدروليكي خاصة وتاريخ الصناعة النفطية يقوم على دورات من الصعود والهبوط. وعليه فإذا كان أحد أهداف حرب الأسعار القصيرة المجضهة تقليل إنتاج النفط الصخري فإن ذلك لم يحدث بالصورة المطلوبة سواء عبر الضغوط الاقتصادية التي ستدفع عن التساؤل عن جدوى الإنتاج في مثل هذه الظروف أو بالاختيار من باب المشاركة في تحمل العبء، الأمر الذي يعيد الأمور أمام أوبك إلى المربع الذي انطلقت منه.