أسس المجتمع الدولي بعد الحرب العالمية الثانية ثلاث مؤسسات ما زالت تعمل بقوة وتأثير لا مثيل لهما. البنك الدولي وصندوق النقد واتفاقية التجارة، والتعريفات التي تحولت فيما بعد بأهدافها ومقرها إلى منظمة التجارة العالمية. بعد أكثر من 70 سنة من العمل في الاقتصاد الدولي، كيف يمكن تقييم أعمالها، خاصة في ظل وتوقيت اجتماع نصف السنة الذي يحصل في هذه الفترة، في العاصمة الأمريكية. هل كانت أعمالها كلها إيجابية وما هي طرق التصحيح كي ترتفع فعاليتها لتؤدي دورها بشكل أفضل؟ أخذ صندوق النقد أهمية كبرى مؤخرا مع تطور الأزمة المالية العالمية بدءا من سنة 2007. هنالك جدل كبير قائم حول دور الصندوق ومهمته وتأثيره على الدول النامية والناشئة. هنالك جدل كبير حول من يدير الصندوق فعليا، الدول الأعضاء أم الدول الصناعية أم الولايات المتحدة فقط؟ وجود البنك والصندوق في واشنطن يعطي الولايات المتحدة دورا كبيرا فيهما، بل نفوذ واسع. عندما أسِّسَا، حاول «جون ماينارد كينز» ممثل بريطانيا في المفاوضات أن يجعل مقر المؤسستين خارج العاصمة الأمريكية، لكن واشنطن فضلت أن تكونا فيها، لأن نيويورك البديلة هي عمليا «وول ستريت» وبالتالي لا مصلحة في إلصاق هذه التهمة الجائرة إلى المؤسستين. بعد سنوات عدة من إقراض الدول الناشئة والنامية، ها هو الصندوق يقرض الدول الصناعية كي تتعافى من أزماتها وتصحح أوضاعها. لا شك أن الدول النامية، وخاصة الناشئة، استفادت من الفترات الزمنية السابقة لتصبح قائدة للتطور الاقتصادي الدولي. ما هي العوامل الأساسية التي سمحت للدول الناشئة بتحسين أوضاعها في العقود القليلة الماضية؟ اعتمادا على إحصائيات صندوق النقد، نرى أن أهم المقترضين مؤخرا هي دول غربية. أما اليوم فالظروف تغيرت بسبب سقوط أسعار المواد الأولية وفي مقدمتها النفط، انخفاض النمو الصيني إلى حوالي النصف، ارتفاع اقتراض الدول الناشئة إلى حدود غير مسبوقة خطرة، كما ارتفاع الفوائد على الدولار وإن يكن بنسب قليلة لكنه مؤشر مهم للمستقبل. ظروف الدول الناشئة لم تعد كما كانت، خاصة في البرازيل التي تعاني سياسيا وفسادا وفي روسيا التي تعاني من العقوبات وأسعار المواد الأولية. جميع هذه المؤشرات الجديدة تصب في خانة واحدة، هي تراجع المجموعة الناشئة مجددا لمصلحة الدول الصناعية. منتقدو صندوق النقد يعلقون على أنه فشل في مواجهة التحديات الأربعة الموكلة إليه وهي الرقابة وشروط الإقراض وإدارة الديون السيادية والحوكمة. أولا: الرقابة وجدواها وحسن ممارستها كيف يمكن الدفاع عن هذه الرقابة عندما يغرق المجتمع الدولي في أزمات كبيرة وقاسية كل فترة زمنية لا تتعدى الـ10 سنوات؟ ثانيا: عندما يقرض الصندوق، يضع بالاتفاق مع الدول المقترضة شروطا تساهم في تصحيح الاقتصاد وبالتالي ترفع من نسبة التسديد، إذ إن موارد الصندوق تبقى محدودة. ثالثا: هنالك الكثير من الانتقادات من ناحية إدارة الصندوق لديون الدول النامية والناشئة. عبر الزمن، كانت قروض الدول الناشئة مرهقة وسببت إفلاسات كبيرة في دول أمريكا اللاتينية وما زالت دول عديدة تعاني منها كالأرجنتين. هل قام الصندوق بواجبه من ناحية توجيه الدول المقترضة إلى إدارة ديونها حتى لو لم يكن الصندوق المقرض الأساسي. رابعا: الحوكمة والفساد وهذا يحصل من ناحيتي المقرض والمقترض. هل هنالك مستفيدون داخل الدول من الاقتراض العشوائي؟ هل يستفيد بعض السياسيين من الاقتراض غير المدروس؟ ربما يكون من الأفضل أن يعود الصندوق إلى تأدية المهمة الأصلية التي وجِدَ من أجلها وهي مراقبة أسعار الصرف وتأمين السيولة السريعة للدول التي تحتاج إليها. توسيع المهمات يؤذي دائما ويعرقل العمل وربما يسيء إلى الدول الأعضاء والمؤسسة نفسها. أما من ناحية البنك الدولي، فالتهم أقل جدية، لأن البنك يتعاطى بالنمو والتنمية والفقر وليس في حل الأزمات كالصندوق، وبالتالي العيون لا تتوجه إليه كما يحدث مع الصندوق. هنالك أعمال ممتازة قام بها البنك من إقراض ونصائح، لكن المهمات الأكبر في رأينا هي الإحصائيات الكاملة والشاملة التي يقوم بها مكان الدول النامية والناشئة غير القادرة على ذلك. بدون هذه الإحصائيات، لا يمكن فهم أوضاع هذه الدول وبالتالي محاولة المساعدة والإصلاح. من الأمور المهمة الأخرى التي يقوم بها البنك هي الدراسات القيمة والبحوث الفريدة التي تساهم في مساعدة الدول النامية والناشئة على معالجة مشاكل التعليم والصحة والضمان الاجتماعي والسياسات التجارية والضرائبية والزراعية وغيرها. في كل حال، هنالك من يدرس تكلفة البنك والصندوق مقارنة بالفوائد، والجدل لن ينتهي، لأن السياسة والمصالح تدخل في الدراسات وتسيء إليها.