التقييم بين المعيار والشخصنة
أضع كؤوس الكريستال لأكسر أشعة الشمس، وأضع الصخور لأكسر بها موج البحر، وأرتدي نظارتي السوداء فلا أرى محاسن من أحسن إليَّ، إذا تخلل الحسد أو الجهل وكلاهما مرض إلى نفس الإنسان عميت بصيرته فلا يستطيع أن يرى إلا ما تسول به نفسه الأمَّارة بالسوء ولا يسمع إلا بنات أفكاره التي أقنع نفسه بها، كثر هم من يعتقد أن نجاح الآخر هو خسارة له وسعادة الآخر هو تعس له، وغنى الآخر هو فقر له، يتغذى ويكبر هذا الشخص على الآذان الصاغية التي تنصت له، يمكن أن يكون قريبا أو بعيدا، صديقا أو مديرا أو حتى عابر طريق، ذلك المغناطيس الذي يسحب الطاقة الإيجابية ذلك الفيرس الذي لا يملك مادة الحياة ولا يعيش إلا إذا تطفل على سايتوبلازما الخلايا الأخرى، هؤلاء هم داء المجتمعات فلنحذرهم.
وهناك نوعان من المقيمين أحدهما ذلك المتبرع المتطوع والذي يفرض عليك دون طلب أن يعطي تقيمه لك ولشخصيتك ولعملك تطفلًا دون أن يطلب منه، واضعًا نفسه مقيمًا وقيمًا على الناس وراصدًا لعيوبهم وزلاتهم، وأعتقد أن هذا النوع أمره سهل إلى حد ما حيث ينصح فقط بقطع العلاقة مع هذه النماذج المتطفلة لما لها من آثار سلبية على كل المستويات في حال استمرار التعامل معهم لذا فالبعد عنهم غنيمة وخسارتهم وما يرتبط بهم مكسب، أما النوع الثاني فهو أكثر تعقيدًا وهم الذين يمثلون جزءًا من عملية التقييم الوظيفي للأداء السنوي، وهنا تجدر الإشارة إلى أنه ومع وجود آليات للتقييم الوظيفي معتمدة على معايير محددة إلا أن الجانب الشخصي يلعب دورًا هامًا أيضًا في عملية التقييم السنوية، الأمر الذي يستدعي تحجيم وتقليص الجانب الشخصي في التقييم العملي علمًا بأنه لا يمكن استثناؤه.
حكمة الله هي أن جعل المحبة منظار الرحمة الذي لا يرى من خلاله إلا الحسن، وفِي لحظات اختفاء المحبة لا تقع العين إلا على عيوب الآخرين التي كانت هي محاسنهم فيما مضى، لذا قال عليه الصلاة والسلام سيدنا محمد «أحبب حبيبك هونًا ما عسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وابغض بغيضك هونًا ما عسى أن يكون حبيبك يومًا ما» صدق رسول الله، وهذه مدعاة للموضوعية والتوازن، فلا نجعل حكمنا على الأشخاص انطلاقا من محبتنا أو كرهنا لهم ولا من طبائعنا وشخصياتنا ولكن من عقولنا وسلوكهم الظاهر، فلا حق لإنسان أن يحكم على آخر إلا بما ظهر منه، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا رأيتم الرجل يعتاد المساجد فاشهدوا له بالإيمان»، بتوجيه واضح أن لنا من الناس ما ظهر ولله ما في قلوبهم ما بطن، فالله يعلم وأنتم لا تعلمون، وأخيرًا عافانا الله وإياكم من النفوس المريضة والشخصيات المتطفلة.. وبكل المحبة هذه تحية.