حاول الرئيس ماكرون في خطابه الأسبوع الماضي تهدئة النفوس، فقدم حوافز مالية منها رفع الحد الأدنى للأجور 100 يورو من موازنة الدولة وعدم إخضاع وقت العمل الإضافي للضريبة، كما لا ضرائب على منافع آخر السنة. أظهر اهتماما بالطبقات غير الميسورة ووعد بأن يكون رئيس الجميع، لكن يظهر أن القبول الشعبي ليس كبيرا وتبقى التحديات قائمة مع السترات الصفراء. ما هي المشاكل التي أنتجها النظام الرأسمالي والتي تفسر الغضب وليس العنف؟ سوء توزيع الدخل ليس فقط في فرنسا وإنما عالميا. اتهِم ماكرون بأنه رئيس الأغنياء وهو يحاول. فهل هو فعلا هذا الرئيس السيئ؟ الآراء في فرنسا تختلف كثيرا حوله، لا شيء يؤكد أنه سيخسر الانتخابات المقبلة، إذ إن عدد المتظاهرين قليل. في كل حال، لابد له من أن يعيد حساباته وأن يستمر في التواصل مع المعترضين. قال كارل ماركس إن النظام الرأسمالي سيؤدي إلى وجود شركات قليلة كبيرة تبتلع كل الأرباح وتؤدي إلى استغلال المواطن وضرب المنافسة، هذا ما حصل في معظم القطاعات والدول. قال ماركس إن طريقة عمل الرأسمالية كما توقعها ستؤدي إلى حوادث كالتي تعيشها فرنسا. قال ماركس إن إنتاجية العامل سترتفع مع الوقت بفضل العلم والتكنولوجيا وتطور القوانين والأنظمة، لكنه توقع أن العامل لن يجني ما يحق له، بل سيسلبه منه أصحاب رؤوس الأموال. توقع ماركس أن المنافسة القوية بين الشركات العملاقة القليلة ستدفعها إلى عمل كل شيء لإدخال التكنولوجيا والاستغناء عن العمال، وهذا ما يحصل. توقع ماركس أن ترتفع بالتالي نسب البطالة ويذهب الغاضبون الخاسرون للانتقام عبر الثورة. بالنسبة لفرنسا وتبعا للمشاهدات، لا يظهر أن الغاضبين هم من العمال الذين خسروا أعمالهم، إذ إن السرقات في المحلات تشير إلى نوعية متدنية من قبل بعض المتظاهرين وهم أقلية. هل المقصود تحصيل الحقوق أم ضرب الاقتصاد؟ توقع ماركس هذه النتائج السلبية للرأسمالية بسرعة، إذ لم يفكر يوما أن السياسيين والقادة الرأسماليين يملكون من الحكمة والمعرفة لإطالة عمر النظام الرأسمالي وإصلاحه. أخطر ما يظهر اليوم أن الأجيال الجديدة غير متحمسة للنظام الاقتصادي الحر كما في السابق. في استفتاء أجري مؤخرا في الولايات المتحدة، تبين أن أكثر من نصف الشباب لم يعد يؤيد الرأسمالية. هل يمكن بعد إنقاذ النظام الاقتصادي الحر؟ لابد من العودة إلى الأسس وهي المنافسة. تحقق الشركات العملاقة أرباحا ضخمة لا تبررها الأعمال مما يسمح لها بالقضاء على المنافسة. هذا غير مقبول ويتطلب تنفيذ إجراءات وقوانين تعزز أوضاع الشركات الصغيرة والمتوسطة وتحمي الفقراء. يجب وضع الأطر المناسبة لتشجيع الإبداع والابتكار. هنالك دور للحكومات لتحفيز المنافسة عبر تسهيل تمويل الاستثمارات الصغيرة ومساعدة المخترعين على تسجيل براءات الاختراع وتسويق المنتج. البديل عن الرأسمالية ليست الأنظمة المتطرفة، إنما نظام اقتصادي حر يرتكز كما أراده مؤسسه "أدام سميث" على المبادئ الإنسانية والأخلاقية.