ديون كراكاس

منذ أعلنت وكالتا التصنيف الائتماني ستاندارد آند بورز وفيتش منتصف الشهر الجاري أن فنزويلا دولة في حالة تخلف انتقائي عن تسديد ديونها البالغة 150 مليار دولار وذلك عقب اجتماعين لدائنين في كراكاس ونيويورك، أصبحت واحدة من أكبر الدول النفطية في العالم تواجه بشكل جدي خطر الانقطاع عن الأسواق العالمية واحتمال مواجهة ملاحقات ومصادرة موجودات وفروع في الخارج، إذ يتعين على فنزويلا تسديد 1.47 مليار دولار على الأقل قبل نهاية العام الجاري، ثم ثمانية مليارات أخرى في 2018. وعلى الرغم من أن الرئيس الفنزويلي قد استبعد توقف بلاده عن سداد ديونها واعتبر أن خفض تصنيف ديون بلاده جزء من حرب مالية أمريكية، إلا أن الواقع يكذب أحلامه فشبح الإفلاس يخيم على فنزويلا والأزمات السياسية تتفاقم وجروح الاقتصاد تتقيح والتضخم يكسر حاجز الـ700%. والاحتياطى يتراجع لـ9.7 مليار دولار.. وإنتاج النفط فى أدنى مستوياته منذ 30 عاما. فنزويلا من بين الدول التي تمتلك أكبر مخزون من النفط في العالم، فضلا عن كميات كبيرة من الفحم والحديد والذهب. لكن حكومة نيكولاس مادورو واجهت تحديات كبيرة بسبب هبوط أسعار النفط الذي تزامن مع أزمة اقتصادية أبرز جوانبها نقص كبير في السلع الأساسية وارتفاع معدلات التضخم. الفنزويليون يسيطر عليهم الرعب والقلق لا محالة حيال الأمر. الإحساس القديم الموروث بالأصالة والتميز والتفوق على الآخرين بما فيهم الولايات المتحدة ربما لا يزال حاضرا في دواخلهم بهذه الدرجة أو تلك ولكنه حضور لن يتغلب على الإحساس بالقلق تجاه معيشتهم اليومية التي طفقت بالفعل في التحول من السيئ إلى الأسوأ لا سيما في ظل انعدام أي أفق أو أمل لانفراج اقتصادي نسبي في المستقبل القريب، أما العودة للزمن الجميل بحذافيره فقد صارت أصعب من المستحيل نفسه مع سلاسل الديون التي ستنوء بحملها أركان الاقتصاد الفنزويلي. نائب الرئيس الفنزويلي طارق العيسمي المنحدر من أصول سورية الذي كلفه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بقيادة فريق التفاوض مع الدائنين لم يظهر مرونة أو حتى أي ميل لمجرد التفكير في حلول عملية وواقعية عندما اكتفى بإلقاء اللوم على الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والممولين العالميين وتحميلهم المسؤولية في تخلف حكومته عن الوفاء بالتزاماتها، عندما قال إنهم تآمروا لمنع بلاده من دفع فوائد الديون في الوقت المحدد. وإذا كانت هذه التصريحات للعيسمي الذي اتهمته الحكومة الأمريكية بالضلوع في تجارة المخدرات قبل أشهر هي الموقف الفنزويلي غير القابل للتعديل أو التغيير فإن الشعب الفنزويلي موعود بفترة من المعاناة المعيشية القاسية ربما يطول أمدها ولكنها ستنتهي غالبا بانتهاء صورة فنزويلا الشافيزية القديمة المناوئة لأمريكا وربما للأبد، فاحتمال انتصار نظام مادورو في حرب اقتصادية شرسة يكون ضمن ميادينها بطون الجماهير ومقدراتهم ومواردهم هي احتمال أقرب إلى الصفر في كل الأحوال.