المال، ذلك الشيء المادي وغير المادي الذي تسعى إليه الجموع وتعمل من أجله المؤسسات والشركات، نعم انه تلك الوسيلة الشهيرة التي أصبحت في أيامنا هذه غاية أساسية بل حتى أولوية لدى الكثير من الناس والمُجتمعات التي وللأسف بات جمع المال بها هو دليل النجاح والذكاء حتى وان كان أحيانا بغير حق، فكل ما يحتاجه هؤلاء للتبرير هو أن يغمضوا أعينهم ويقولوا لن نخوض فيما لا يعنينا أو دع الخلق للخالِق، وما هي إلا دقائق حتى ينتقلوا من حال إلى آخر ويصبح لسان حالِ البعض منهم يُردِّد امام الملأ "الغاية تُبرِّر الوسيلة"، ذلك المثل المطاط والقابل للتحريف والتأويل، فالمال هو عصب الحياة والمشتريات في كل الأسواق والمُجتمعات حول العالم، فلا بيع بغير دفع ولا شراء بدون مال أو نقود، والبيع والشراء هو في الأساس عبارة عن عملية مُبادلة يقوم بها المُشتري بمُبادلة المال بالسلع والخدمات، وهو الأمر الذي جعل من التُجار عبر التاريخ يواجِهون المُعضلة الأكبر، ألا وهي كيف يُمكِنهم زيادة مبيعاتهم بالرغم من محدودية الأموال المتوافرة بين يدي المشترين عند الشراء؟، وهل فكرة أن يقوموا هم بالبيع الآجل أو بالتقسيط هي فكرة قابلة للتنفيذ عند بيع المنتجات جميعها؟، وهل هم قادرون على تحمل مستوى المخاطر الناتجة من عدم السداد ومن استمرار الارتفاع في نسب التضخم؟، وهل أن عملية الإقراض المُباشر قادرة على أن تصرع هؤلاء التجار وترمي بتجارتهم أرضا، فتكون سببا أساسيا كي يُغلِقوا متاجرهم وينهوا مسيرتهم العملية، نعم وبلا شك انه كذلك، فالبيع والشراء مهنة مختلفة تماما عن الإقراض والاقتراض، ولكل من هذه المهن طريقة وأسلوب وأهداف، وهي ومن حيث المبدأ مُتعارضة ومُتعاكِسة، ولذلك فإن هذا الاختلاف والتعارض بين تلك المِهن هو ما حمل البنوك على العمل وهو نفسه أيضا ما حمل الناس على الاقتراض منها وليس من التُجار، ولكن وفي أيامنا هذه وبعد ارتفاع نسب التضخم وارتفاع أسعار الفوائد على القروض، باتت عملية الاقتراض عائقا حقيقياً أمام الكثير من المشتريات وخاصة الكبيرة منها كالسيارات او الأجهزة الإلكترونية مثلا، فالفوائد الكبيرة باتت سببا لرفض الاقتراض وان كانت الرغبة بالشراء موجودة، هذه الحرب الخفية وبرغم ملامِحها المُظلِمة إلا أنها كانت تحمل بين جوانبها فرصا استثمارية لبعض المؤسسات المالية التي فكّرت طويلا، ومن ثُم أطلقت خدمة جديدة تُسمى "اشتر الآن وادفع لاحقا"، وهي إحدى الخدمات الأكثر رواجا ونموا في أيامنا هذه، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هي هذه الخدمة وما هو تعريفها؟ وما هي أهم ميزاتها وأسباب التعامل بها؟ وما هو نوع الشركات التي تُقدِّمها وكيف تُحقِّق تلك الشركات الأرباح؟ ولماذا يطلبها الناس؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة أن خمة " اشتر الان وادفع لاحقا " باتت خدمة رسمية في كثير من الدول والمتاجر حول العالم وهي عبارة عن تسهيل تمنحه المتاجر للمشترين بحيث يسمح لهم بشراء المنتج بدون الحاجة لدفع المبلغ كاملًا في وقتها " نقدا" بل يعطيهم حلول الدفع على أقساط لاحقة وبدون فوائد، عِلما أن هذا البائع وبرغم بيعه أيا من السلع بالتقسيط إلا انه سوف يحصل على قيمة المبلغ كاملًا بعد أن يطرح منه العمولة التي ستأخذها الجهة أو الشركة التي قامت بدورِها بتزويده بهذه الخدمة مقابل أن تقوم هي نفسها بتحصيل المبلغ كاملا وعلى أقساط من المُشتري مباشرة، وهو ما يجعل التاجر خارج إطار التحصيل ومخاطره ومشاكله بالرغم من انه يملك إمكانية البيع بالتقسيط، ويُحقق أيضا وبنفس الوقت أرباحا لمن قام بالدفع المباشر واقراض المُشتري عبر ما يحصل عليه من عمولات ورسوم، دون تحميل المُشتري أي فوائد على المبلغ المُستخدم، وباختصار فإن خدمة " اشتر الان وادفع لاحقا " هي خيار دفع يوفر للعملاء إمكانية الشراء على أقساط، حيث يُحدد العملاء المبلغ المطلوب وعدد أقساط السداد التي سيقومون بها، على ان يتم تمويل عملية الشراء هذه من قبل طرف ثالث يُسمى " مُزوِّد الخدمة " وهو الجهة التي تقوم بذلك بعد الموافقة السابقة على قبول تقديم الخدمة لكل من البائع والمشتري مقابل عمولة او رسوم مُتفق عليها. وبالحديث عن أهم ميزات استخدام هذه الطريقة من قبل المُشترين فهو كونها سهلة وسريعة وتحمِل تكاليف اقل من الاقتراض البنكي بالإضافة الى أنها تساعد على توفير المال فورا وهو ما يزيد من قدرتهم على الشراء الآني وهو أيضا ما يجعلهم قادرين على التحكم بسداد هذه القروض مستقبلا ودون أي نفقات إضافية، اما بالنسبة للبائع فهو وسيلة تسويقية مُهمة تُساعده على جذب مُشترين جُدد دون الاهتمام بما يستطيعون سداده بالوقت الحالي وبالتالي فهم وسيلة فعالة لزيادة المبيعات والإيرادات مقابل عمولات او خصومات قد يقومون بتقديمها لمُزوِّد الخدمة. وأخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن خدمة " اشتر الآن وادفع لاحقا " هي خدمة مُهمة جدا تساعد التجار على توسيع فئة العملاء الخاصة بهم، بل وتجعلهم قادرين على التوسع والنمو بشكل اسرع، كما أنها وسيلة فعالة لمن يرغب بشراء منتجات لا يملك ثمنها نقدا عند الحاجة إليها، عِلما بأن الدفع يجب أن يتم فهو وبرغم سهولته إلا انه وبالنهاية قرض مالي مُلزِم السداد، فهي خدمة تُذكّرني بفكرة "الجمعيات" التي يقوم بها مجموعة من الأصدقاء فيما بينهم عبر دفع مبلغ شهري وحصول كل شخص علية كاملا في شهر مُعيَّن، وهنا أستذكر المقولة الشهيرة " الدنيا مثل المحال التجارية، تتجول فيها بحرية وتستطيع ان تأخذ منها ما تشاء، لكنك وفي نهاية الامر وعند وصولك لل " كاشير " فلا بد لك ان تدفع ثمن ما أخذت".