عاصفة اقتصادية تلوح في الأفق

الدول الخليجية ستتأثر بخروج بريطانيا من أوروبا في وقت يجاهد فيه الاتحاد الأوروبي للمحافظة على بقائه السياسي ومواجهة التحديات الاقتصادية، ويعاني من نمو اقتصادي هزيل بمقدار 0.5% خلال الربع الأول من 2016، ويتعرض لموجة لجوء تعصف بالعلاقات بين دوله، وتحديات الديون السيادية لليونان، وتهديد روسي متصاعد، يأتي الاستفتاء الذي تنوي بريطانيا إجراءه في الثالث والعشرين من يونيو 2016، بخصوص بقائها داخل الاتحاد الأوربي من عدمه؛ ليضيف مزيدا من المتاعب لهذا الاتحاد، وللاقتصاد العالمي الذي يواجه نذر عاصفة اقتصادية جديدة بانفجار فقاعة عضوية بريطانيا في الاتحاد الاوروبي، وهو الذي لم يتعاف بعد من آثار انفجار فقاعة الرهن العقاري الامريكية في 2008- 2009 . فالمؤيدون للخروج، يرون أن ضعف الاقتصاد البريطاني يعود في قسم كبير منه إلى العلاقات مع الاتحاد الاوروبي، وأن مكاسب عديده ستعود على خامس أكبر اقتصاد في العالم والثاني في الاتحاد الأوروبي في حال خروجه منه، كسلطة تحديد ساعات العمل، والحد من تدفق المهاجرين من دول الاتحاد؛ مما يساهم بارتفاع مستوى المعيشة، والسيطرة على عجز الموازنة مع التوقف عن المساهمة في الموازنة الاوروبية، مستشهدين بالنتائج الايجابية لعدم انضمام بريطانيا لليورو؛ مما مكنها من ادارة سياستها النقدية بما يخدم مصالحها خاصة عندما لا تتفق دورات الرواج والكساد المحلية البريطانية مع تلك الأوروبية.  في المقابل يحذر المعارضون للخروج، من خسائر اقتصادية ومالية كبيرة، قدرها اتحاد الصناعات البريطانية بحوالي 100 مليار جنيه استرليني، يضاف اليها خسارة الدعم البالغ 6 مليارات جنيه وبالذات لقطاع الزراعة، وفقدان ميزة الوصول المجاني للصادرات البريطانية للسوق الأوروبية الموحدة، حيث أظهرت بيانات رسمية استمرار العجز في الميزان التجاري البريطاني للسلع إلى مستوى يزيد عن 11 مليار جنيه، مما يشير إلى الضغوط التي قد تتعرض لها تلك الصادرات إذا فرض الاتحاد الأوروبي ضرائب على وارداته من بريطانيا في حال خروجها والتي تمثل 45% من إجمالي صادراتها، إلى جانب ضغوط ومساومات إعادة التفاوض المنفرد مع 60 شريكا تجاريا خارجيا؛ يرتبطون باتفاقيات مع الاتحاد الأوروبي. الخاسر الأكبر سيكون القطاع المالي الثاني عالميا، والذي يساهم بحوالي 10% من الاقتصاد البريطاني، حيث تمثل لندن مركزا ماليا للاتحاد الأوروبي؛ إذ ستفقد البنوك المرخصة في بريطانيا فرص السماح لها بالعمل في الاتحاد الأوربي، يضاف اليها خسارة 100 الف وظيفة في هذا القطاع، كما سيعاني الجنيه الاسترليني تقلبات عدة - خلال مفاوضات ترتيب الانسحاب المتوقع لها الاستمرار لسنتين على الأقل- وقد يخسر بين 10% إلى 15% وحتى 20% من قيمته مقابل سلّة العملات الأجنبية، مسببا حالة من الضغط التضخمي الكبير، إضافة لتجميد بعض الاستثمارات وانسحاب بعضها؛ خاصة في مجال صناعة السيارات والكيماويات والخدمات المالية. العرب وبالذات الدول الخليجية ستتأثر من خروج بريطانيا نظراً لحجم التبادل التجاري بين أوروبا ودول الخليج والذي يزيد عن 150 مليار يورو سنويًا، وهو سيمس شركاء أساسيين لهم مثل المانيا- 70% من حجم التبادل التجاري بين المانيا والدول العربية والمقدر بحوالي 50 مليار يورو هو مع دول الخليج العربي- كما ستتأثر الاحتياطيات العربية الموظفة والمستثمرة في أوراق مالية أو بنوك أوروبية وبريطانية وفي القطاع العقاري البريطاني أحد أهم الوجهات الاستثمارية للصناديق السيادية الخليجية؛ والذي قد يكون أحد ضحايا الخروج؛ فأسعار المنازل وتكلفة الرهن العقاري ستتضرر كثيرا بحسب وزير المالية البريطاني، ومثلها أسعار الأسهم والسندات التي قد تتراجع جراء سحب المستثمرين أموالهم. كل طرف يريد تعظيم مبرراته للتصويت لصالح خياراته، لكن ذلك لا يطمس حقيقة أن العولمة قد تكون السبب الكامن خلف الرغبة بالخروج البريطاني من الاتحاد الأوروبي، وحتى رغبة الاسكتلنديين بالخروج من الاتحاد البريطاني، وتزايد النزعات الانفصالية في دول أوروبية عديدة، فهي بالشكل والطريقة والآلية التي تعمل بها؛ أوجدت توزيعا غير عادل للمكاسب، وحصرت الاستفادة منها بأقلية من أصحاب المهارات المرتفعة وأصحاب رؤوس الأموال، مما أضر بمصالح ومستوى معيشة الأكثرية من أصحاب الدخول المتوسطة والمتدنية، فإذا كان البريطانيون وهم في مقدمة شعوب العالم رفاهية يشكون حالهم من العولمة؛ فكيف بالشعوب الأخرى التي بالكاد تسمى نامية؟