دروس من الأزمة الأوروبية

العدو الأوروبي اليوم هو الانكماش الذي يجب تجنبه بالتزامن مع التقشف القسري المتبع، تستعين الحكومات الأوروبية بالمصرف المركزي لزيادة الكتلة النقدية وبالتالي تنشيط الاقتصاد نقديا. يمكن الدفاع عن هذه السياسة في غياب التضخم وخطره أو احتمال حصوله في هذه الظروف.  يقوم المصرف المركزي الأوروبي بشراء سندات خزينة وأصول في الأسواق شهريا بقيمة 63,6 مليار دولار، وذلك حتى شهر مارس من السنة المقبلة. من مخاطر التحفيز النقدي احداث خلل أو سوء توازن في أسعار الأصول نتيجة تحرك الشراء النقدي في اتجاهات معينة. يسعى المصرف المركزي الأوروبي أيضا عبر هذه السياسة الى تجنب الانكماش أو هبوط مؤشر الأسعار، وبالتالي محاولة احداث بعض التضخم شرط ألا يتعدى 2%. التضخم لم يعد العدو النقدي بل هنالك رغبة به. العدو الأوروبي اليوم هو الانكماش الذي يجب تجنبه حتى لا تقع أوروبا في الفخ الياباني. جميع هذه الأمور بالإضافة إلى المشاكل العادية التي يعاني منها كل اقتصاد تجعل النمو الأوروبي خفيفا أي تبعا لصندوق النقد 1,9% السنة الماضية و 2% هذه السنة مقارنة بـ 3,6% كمعدل للاقتصاد العالمي.  في الوحدة النقدية الأوروبية، بلغ النمو 1,5% السنة الماضية ومتوقع 1,6% لهذه السنة. اليونان ليست وحدها مصدر القلق، بل هنالك البرتغال وأسبانيا علما أن الأخيرة أهم بكثير اقتصاديا. الشلل الاسباني نتيجة عدم القدرة على تشكيل حكومة والدعوة لانتخابات جديدة ربما تعطي نفس النتيجة هي جميعها مصدر قلق للمجتمعين الأوروبي والعالمي. حجم أسبانيا يدفعنا للقول بأن قسما كبيرا من الأزمة الأوروبية اليوم يتوقف على حل المشكلة السياسية وعلى عودة أسبانيا إلى لعب دورها الايجابي في القرارات. لا يمكن أن ننكر أن الاستفتاء البريطاني حول الخروج من الوحدة الأوروبية يؤثر سلبا على الاستثمارات والنمو، ولا بد من توقع سيطرة المنطق وبالتالي بقاء بريطانيا في الوحدة. هنالك ضرورة لاعتماد رسالة جديدة من قبل رئيس الوزراء في التخاطب مع البريطانيين لا تقتصر فقط على تخويفهم من الخروج، بل على إقناعهم بفوائد البقاء في الوحدة الأوروبية.  لا بد من ذكر الانتخابات الرئاسية الفرنسية القادمة والتي يمكن أن تغير الكثير في السياسات الداخلية والخارجية. جميعنا يعرف أن عدم الاستقرار السياسي يجلب عدم استقرار اقتصادي وهذا ما يحصل في أوروبا مقارنة بالولايات المتحدة. هل هنالك دروس أساسية حتى اليوم يمكن اقتباسها لتجنب تكرار الأزمة؟ أولا: السياسة المالية مهمة وهذا ما تجاهلته اليونان لعقود ووقعت في فخ التقشف مع دين عام يصل إلى 170% من الناتج. كان هنالك سوء تطبيق لسياسات جيدة في بعض الأحيان ليس في اليونان فقط وانما في اسبانيا والبرتغال وغيرهما. ثانيا: أهمية وجود قطاع مالي وخاصة مصرفيا فاعلا كما معالجة المشاكل بسرعة وفعالية فورا عندما تظهر. تكلفة الأزمات المصرفية كبيرة ووصلت سابقا الى 55% من الناتج في الأرجنتين، 41% في التشيلي وغيرهما. هنالك جدل كبير حول حسن إدارة المصارف الأوروبية عموما واليونانية خصوصا. ثالثا: لا بد من سياسات اصلاحية في القوانين والمؤسسات لا تتم تحت الضغط كما يجري اليوم للحصول على الأموال، بل يجب التروي في وضع السياسات المنطقية الدائمة.