الشركات التي تنتج الغذاء والدواء، وتصنع كل ما يحتاجه الإنسان من متطلبات الحياة الضرورية، أو الكمالية الترفيهية، هي التي تمتلك رؤوس الأموال والمصانع والخبرات والأذرع الاستثمارية والعلامات التجارية التي تنتشر فروعها في معظم بلدان ومدن العالم، ولا يهمها إلا نمو أرباحها وزيادة مبيعاتها والترويج والتسويق لمنتجاتها وتحقيق عوائد مالية هائلة وتكديس الثروات والسيطرة على الأسواق والاستحواذ على براءات الاختراع ومراكز الابتكار والأبحاث وكبريات الصحف وقنوات الإعلام التي تضمن الترويج لمنتجاتها وطمس مخالفاتها وترهيب كل من يسعى لكشف فسادها وغشها التجاري واحتواء سلعها لمكونات تدمر الصحة والبيئة، أما التفكير في صحة الإنسان وجودة المنتج وإبقاء الأسعار ضمن القدرات المالية للأسر متوسطة وضعيفة الدخل والاكتفاء بهامش أرباح معقولة تحقق التوازن بين مصالح الشركات من جهة والمستهلك من جهة أخرى، فذلك آخر ما يفكر فيه ملاك وأصحاب وإدارات هذه الشركات، بل لن يرمش لهم جفن ولن ينبض ضمير حي حتى وإن تحققت غاياتهم عبر الغش التجاري والتخزين السيئ وإضافة مواد حافظة تتلف الأعضاء البشرية وتتسبب في أمراض خبيثة، والعبث بمدد الانتهاء ووضع قصاصات تسجل عليها صلاحية مزورة للبضائع والسلع. في مقال نشرته قناة الجزيرة في ٢٠١٨م، تحت عنوان «كيف تغشنا الصناعات الغذائية»، قسم «حالات الغش الغذائي إلى صنفين، يتمثل الصنف الأول في بيع أطعمة لا تنطبق عليها الشروط، أما الصنف الثاني فيتمثل في بيع أطعمة تعتبر ضارة»، وعرض نماذج لأنواع الغش كإضافة ألوان «للتونة» لإيهام المستهلك بأنها طازجة، وضمان زيادة المبيعات والأسعار. وفي تحقيق نشرته قناة الـ «BBC» بعنوان «سموم في طعامنا لا تخبرك عنها مصانع الأغذية»، أشار إلى أن الشركات «تضيف مواد حافظة للحليب لمنعه من الفساد أثناء النقل، وهي "الفورمالديهايد"، السم القاتل»، فيما يحتوي «الأرز على معدلات عالية من الزرنيخ، يمكنه زيادة خطورة الاصابة بالسرطان». فيثري أصحاب الشركات ورجال الأعمال على حساب صحة ملايين الفقراء في العالم وحياتهم واستغلالا لغفلتهم وعوزهم، حيث تبلغ قيمة السوق العالمية للتجارة في الأغذية في الوقت الراهن حوالي «ثمانية تريليونات دولار». فكيف سيتمكن مئات الملايين من الفقراء توفير متطلباتهم الحياتية الأساسية والحفاظ على صحتهم في ظل هذه الظروف البائسة والأوضاع الصعبة التي تعمقها مافايا الشركات والشغف بتكديس الثروات وزيادة الأرباح؟ وأنى لهم التحقق من استيفاء منتج ما للشروط الصحية وتوفره لأقل المعايير المطلوبة، فيما تقدر الدراسات الحديثة «حجم الخسارة التي يتعرض لها الاقتصاد الدولي جراء تجارة غش الدواء بأكثر من ٧٥ مليار دولار في العالم»، مشيرة إلى أن نسبة نمو هذه «الجريمة يزيد على أكثر من ٣٠% في العام الواحد». يقول المحقق المتخصص في مكافحة البضائع المزيفة في الشرطة الأوروبية، إن «الأمر كله يتعلق بالمال». مشيرا إلى أنه «صادف كل أنواع الغش والتزوير، بداية من القواقع الصالحة للأكل التي تجمع جزافاً من الغابات بدلاً من أن تنتج في ظروف آمنة داخل المزارع، إلى الحبار الفاسد الذي يغسل بمواد كيميائية ويباع بعد أن يوضع عليه الثلج على أنه طازج». وشكك في إمكانية «القضاء بشكل كامل على الغش في المواد الغذائية. لكنه يعتقد أن البلدان التي تتخذ إجراءات مشددة يمكنها أن تعرقل جهود المجرمين». فلا نجاة إذن من غش الغذاء والدواء إلا بوجود أنظمة رشيدة وحكم صالح تضع صحة مجتمعاتها ضمن أولوياتها وتعزيز الرقابة على السلع والبضائع التي تستقبلها الأسواق يوميا وتغليظ العقوبات على المخالفين وتعزيز الوعي المجتمعي وتقوية صلاحيات واستقلالية مؤسسات حماية المستهلك.