قديماً قال حكيم: احذر لسانك أيها الإنسان.. لا يلدغنِّك إنه ثعبان.. ولا أعرف ما الذي كان سيقوله هذا الحكيم من أبيات شعرية، ليس نحو لسان منفلت وإنما تجاه يد طرشاء لرئيس ناد بعد مباراة في كرة القدم..؟ * أما اليد الطرشاء فهي يد فاروق كوكا رئيس نادي أنقرة غوجو التركي الذي أمرت المحكمة بترحيله إلى السجن على خلفية اعتدائه على حكم مباراة فريقه أمام ريزا سبور ضمن مباريات الأسبوع الـ 15 من الدوري التركي.. فما الذي فعله فاروق..؟ * الذين تابعوا حادثة الاعتداء لابد أنهم قالوا بعد العبارة التركية القديمة "أمان يا ربي أمان" بأن رئيس النادي عاش حالة احتباس نفسي على مقعده في المنصة الرئيسية للملعب بسبب هدف تعادل على فريقه في الدقيقة 97 فهبط إلى أرض الملعب، وظهر كما لو أنه الراحل محمد علي كلاي الذي اشتهر بأنه كان على حلبات الملاكمة يطير كالفراشة ويلدغ كالنحلة.. * سدد رئيس نادي أنقرة كوكو لكمته القوية على وجه الحكم فأسقطه أرض الملعب.. ومما زاد المشهد إيلاماً أن الحكم خليل أوموت مولر نفسه تعرض بعد سقوطه للركل من مهاجمين آخرين تم ضبط اثنين منهم لتتوالى ردود الأفعال الإنسانية والأخلاقية عاصفة.. * بدت حادثة الاعتداء مؤلمة، ولم يكن في إمكان الساعين لاستيعاب ما حدث أقل من إلقاء القبض على رئيس النادي وتعليق منافسة الدوري التركي بكل فئاته وإصدار الاتحاد بياناً ظهرت لهجته الشديدة في مفردات إدانة هذا العمل ووصف ما حدث بالهجوم غير الإنساني والخسيس حسب تعبير البيان.. * وفي يقيني أن هجوم رئيس ناد رياضي على حكم مرخص من الفيفا ووصفه الاتحاد التركي بالحكم المرموق يجدد من حيث المبدأ قضية أن كرة القدم بالفعل هذه المرة كانت مجنونة وساحرة.. مجنونة، لأن توجيه رئيس ناد للكماته تحت عين قاضي ملعب في مباراة هو عمل غير طبيعي بالمرة.. أما كونها مستديرة وساحرة فتأكد السحر والجنون في قول رئيس النادي لقناة فضائية: لقد أصيب عقلي بالجنون وانقطع بصري، ولا أتذكر ما فعلته.. * وطبيعي أن حادثة بهذه التفاصيل لا يمكن لها أن تبقى حبيسة الملعب ومدرجاته واتحاد كرة القدم وصالة اجتماعاته وهمس أروقته والرأي العام وتفسيراته، واعتذار نادي أنقرة غوجو للجمهور والمجتمع عن الحادث المحزن فكان أن يصاحب الإجراءات الجنائية وقفات إدانة من أعلى المستويات، حيث علق الرئيس رجب طيب أردوغان على ما حدث بوضوح القول بأنه يدين الاعتداء على الحكم، لأن الرياضة لا تنسجم مع العنف لأن الرياضة تعني الأخوة، وتعني السلام، وغير مسموح أبداً حدوث أعمال عنف في الرياضة التركية.. * وحادثة الاعتداء هذه اكتسبت خصوصيتها من كون الجاني الذي قام بالاعتداء العنيف هو رئيس نادٍ وليس مجرد مشجع عادي، ما يكشف عن خطورة استثنائية تذكرنا بتداعيات تقبيل رئيس اتحاد كرة القدم الأسباني لإحدى لاعبات منتخب بلاده، الحادثة التي أطاحت به وقادت مؤخرا لاستبعاد اللاعبة بحجة حمايتها، ما يعني أن كرة القدم هي صداقة وسلام.. والخروج عن قواعدها يعني الحساب، والعقاب، والإطاحة، وعدم التفريق بين اعتداء بلكمة أو حتى اعتداء بقبلة..!