غزة.. حاصِر حِصارَك لا مفرُّ

تحديات كبيرة، وأحداث جيوسياسية، يقف فيها المرء عاجزا عن الحديث أمام بطولات وتضحيات اسطورية يقوم بها أهلنا وأشقاؤنا في غزة، إعادة تصحيح للمفاهيم والأكاذيب التي نشرها عدوُنا فصدقناها بل ودافعنا عنها لنُبرِّر عجزنا وسكوتنا الطويل، فقُلنا وبصوت واحد "ما باليد حيلة" فهو "جيش لا يُقهر" وقُلنا "هم يرصدون ويسمعون دبيب النملة" بل ويعرفون عبر أقمارِهم الصناعية كل ما يدور في أروقة مكاتِبنا وبيوتنا وغيرها الكثير والكثير، وفجأة وبعد أن نِمنا ونحن نؤمن بأننا عاجزون حتى عن التعبير عن قضيتنا، كانت الصيحة الكبرى، تلك الصيحة التي أيقظتنا وجعلتنا نقف وجها لوجه أمام واقع جديد بعيد عن عالمنا السياسي الافتراضي الذي كنا نظن انه واقع، صحونا أما درَّاجات طائِرة وجدران مُنهدِمة، صحونا اما صورة جديدة لجيش جبان لا يقاتل بل ينسحب ويستسلم بحثا عن حاوية من القمامة ليختبئ بها خوفا من مواجهة أصحاب الحق والأرض حتى وإن كانوا قِلة، فلا الكثرة تهزم الشجاعة ولا الدبابة تهزم السيف، بل أصبح "صاحب الحق سلطان" نعم لقد كبر أطفال الحجارة في غزة ولبسوا قناعهم الحديدي وقاوموا بعيونهم التي لا تنام ذلك المخرز المزروع في خاصرة كل العرب، دون خوف او حتى تفكير، فالكرامة لا تلتقى مع الحِكمة حتى وإن كان عدُّوك مدجّجا بكل أسلحة واعلامي العالم، والعزة والايمان لا تنتظر "فيس بوك" أو " انستغرام" او حتى "يوتيوب" لتنتقل من شخص الى آخر وتمحو سنين من القهر والحرمان، نعم انهم أطفال الأمس ورجال اليوم وبإذن الله مستقبل غزة وفلسطين، حرب غير مسبوقة على جميع المستويات السياسية والإعلامية والاقتصادية تقوم على ارضهم، وهنا يأتي السؤال المهم، فما هي أهم الحقائق حول غزة؟ وما هي مساحتها؟ وعلى ماذا يقوم اقتصادها؟ أولا وقبل كل شيء فإنه من المهم جدا معرفة ان قطاع غزة هو جزء من دولة فلسطين، علما بأن المساحة الإجمالية التاريخية لفلسطين 27.009 كيلو متر مربع، أما مساحة الضفة الغربية وقطاع غزة فتبلغ 6209 كيلو مترات مربعة وهو ما يُمثل 22.95% من مساحة فلسطين التاريخية مُقسَّمة الى الضفة الغربية التي تبلغ مساحتها 5844 كيلو مترا، وهو ما يُشكل 21.6% من المساحة الإجمالية لفلسطين بالإضافة الى قطاع غزة والذي تبلغ مساحته 365 كيلو مترا مربعا، ويشكل 1.35% من المساحة الإجمالية لأرض فلسطين التاريخية، وذلك وفقا لبيانات وكالة الانباء والمعلومات الفلسطينية "وفا" هذا ويقع هذا القطاع في المنطقة الجنوبية من السهل الساحلي الفلسطيني على البحر المتوسط، وهو الذي يمتد على شكل شريط ضيّق شمال شرق شبه جزيرة سيناء، وهو كما ذكرنا ذو مساحة صغيرة نِسبيا تُقدَّر بنحو 365 كيلو مترا مربعا فقط، حيث يبلغ طوله 41 كم، أما عرضه فيتراوح بين 5 و15 كم، ويعيش فيه سكان يقترب عددهم من اثني مليون ومائتي ألف نسمة (2.23) مليون نسمة، منهم (1.13) مليون ذكر و (1.10) مليون أنثى، وهو بذلك من مناطق العالم ذات الكثافة السكانية المرتفعة، حيث يصل متوسط الكثافة السكانية في القطاع إلى 5700 نسمة في الكيلو متر المربع، ولكن هذا الرقم يرتفع إلى 9000 نسمة في الكيلو متر المربع في مدينة غزة، هذا وتُقدَّر نسبة الأفراد من الفئة العمريـة الصغيرة (0-14سنة ( بحوالي 7 من مجمل السكان فـي فلسطين وذلك في نهاية يونيو من العام 2023 وهو المتوسط الناتج عن نسبة 5 في الضفة الغربية ونسبة 40% في قطاع غزة، كما بلغت نسبة الأفراد الذين تبلغ أعمارهم (65 سنة فأكثر) %4 في فلسطين، عِلما بأنها تبلغ %4 في الضفة الغربية و%3 فقط في قطاع غزة. وبالحديث عن أهم معالم الاقتصاد في قطاع غزة فإن أهم المحاصيل الزراعية فيه هي الفراولة، والحمضيات، والتمور، والزيتون، والورود، بالإضافة إلى الخضار، عِلما بأن الظروف العامة من حصار وعدم توافر الموارد بشكل كاف غالبا ما يتسبّب في خفض القدرة الإنتاجيّة للأراضي الزراعية، أما بالنسبة للصناعات الخفيفة في المدينة فهي عديدة ومن أهمها إنتاج المواد البلاستيكية، ومواد البناء، بالإضافة الى المنسوجات، والمفروشات، وصناعة الفخّار والبلاط، والمواد النحاسيّة، والسجّاد وغيرها من الصناعات اليدوية مثل صناعة القش وهنا تجدر الإشارة الى انه وبناء لتصريحات محافظ سلطة النقد الفلسطيني فإن الاقتصاد الفلسطيني قد نما خلال عام 2022 بنسبة 3.9% مقارنة مع 7.0% في العام 2021، ليرتفع الناتج المحلي الإجمالي إلى حوالي 15.6 مليار دولار، على إثر نمو اقتصاد الضفة الغربية بحوالي 3.6%، واقتصاد قطاع غزة بحوالي 5.6%. واخيرا وليس آخرا فإنه وبرأيي الشخصي فإن ما تقوم به غزة من إنجازات على المستوى السياسي والاقتصادي والاجتماعي يكاد يكون من الناحية العِلمية احد ضروب الخيال، ولكن يبقى التوفيق الإلهي المدعوم بالإرادة والايمان والعمل المُخلِص الذي يهدف الى الإنجاز وافادة المُجتمع بالإضافة للقدرة على التأقلم ومواجهة الظروف الصعبة بالابتكار والاختراع والتفكير خارج الصندوق، هي المُعطيات الحقيقية لأي نجاح في أي من مجالات العمل، وما استمرار قطاع غزة بالعمل والإنتاج والمقاومة بالرغم من صغر مساحته واكتظاظه السكاني الا خير مثال على ذلك، وهنا أستذكر مقولة " المهاتما غاندي" الذي يقول " إن التأقلم ليس تقليدا، بل هو فِعل يعني قوة المقاومة والاستيعاب".