لطالما استعان المحتل بحكومات محلية تنوب عنه في التعامل مع شعوب البلاد المحتلة من اجل تحقيق أهدافه بعيداً عن أي اعتبار لأهل البلاد التي تم احتلالها، ولطالما كان هنالك من اهل البلاد من يحلم بإعتلاء السلطة بعيداً عن أي اعتبارات للصالح العام للشعب او للبلاد، ولما التقت رغبة الطرفين المستعمر من جهة وعبيد السلطة، عندها سقطت مصلحة البلاد وتبددت حقوق العباد وساد الفساد، فمنذ الحرب العالمية الاولى وما نتج عنها من جغرافيا سياسية وبعدها الحرب العالمية الثانية وما تمخض عنها من دول جديدة، تعزز مبدأ الحكومات الوسيطة وتطور في التبعية من جهة وفي تعزيز نفسه امام المستعمر من جهة اخرى، بل وبدأت الحكومات الوسيطة مع التطور بتشكيل هياكل ادارية وسياسية لإدارة البلاد وبدأ ايضاً الناس بتصديق ان حكومات الوساطة الاستعمارية هي حكومات وطنية تسعى لتحقيق الصالح المحلي بمعزل عن المستعمر، مما ادى بطبيعة الحال الى الاصطدام بين الشعوب والحكومات مع تطور الزمن.
وهنا مكمن الطرح وهو الفهم الحقيقي للدور الذي تقوم به الحكومة في ظل استقلالها التام او تبعيتها التامة او حالة الوسطية والمراوحة بين الفكرتين، وأنه بناء على هذا الفهم فقط يمكن توجيه طاقة التغيير والحداثة،
ان اكبر مكتسبات الدول على الإطلاق ودون مقارنة هي حالة الاستقلالية السياسية والتحرر من تبعية المستعمر سواء بالمفهوم الكلاسيكي للاستعمار او المفهوم المعاصر النسبي، لان استقلالية القرار هي وحدها الميزة التي تعطي الحكومة صفة القيادة والتمكين، فقبل النظر والاستغراب من توجهات وقرارات الدول لابد من النظر الى درجة استقلالية القرار ونسبية تحقيق المصالح بين المحلي والدولي.
كما ان هذا النموذج يمكن اسقاطه على المؤسسات المساهمة العملاقة والتي تعمل في ظل تبعية لكيان آخر، فتكون قرارات مجالسها مقرونة بمصالح مخفية غير مصالح الشركة الأساسية، ومنها وصولا الى صغرى الشركات وإلى الأفراد ليطبق نفس المنهج والنظرية وهي حكومة الوساطة التي لا تغني ولا تسمن من جوع.