يظل الاقتصاد الأمريكي قاطرة للاقتصاد العالمي تعتمد عليه اقتصادات دول أساسية أخرى، لذلك فإن عافية هذا الاقتصاد تتطلب تحسين أوضاعه كأكبر سوق استهلاكي عالمي، إذ تعتبر معدلات الاستهلاك للسلع والخدمات الأعلى على المستوى العام، ويزيد الناتج المحلي الإجمالي على (18) تريليون دولار، ويقدر متوسط دخل الفرد السنوي بما يقارب (56) ألف دولار، لذلك جاء التصديق الأمريكي على العقوبات الجديدة التي فرضها على موسكو لتهدد بوادر انتعاش شرايين حياة الاقتصاد الروسي الذي بدأت ملامحه تتشكل وتتعافى عام 2017 لتضع دول العالم أمام حرب اقتصادية باردة مفتوحة لا يمكن التنبؤ بتأثير أضرارها أو حتى عواقب نتائجها، فوضعت الاستقرار العالمي في تباطؤ بالنمو ومخاوف من عثرات اقتصادية محتملة بسبب سياسات ترامب الحمائية، خصوصًا ما يتعلق بالعلاقات مع الكتل الاقتصادية العالمية مثل روسيا والصين وألمانيا والاتحاد الأوروبي. فالولايات المتحدة ظلت تواجه منافسة في مجال الصناعات التحويلية، نظرا إلى مشكلاتها الهيكلية وخفض التكاليف، بينما تمكنت دول أوروبا وآسيا من تطوير صناعاتها الرئيسية وتمكنت من غزو أسواق الولايات المتحدة بمنتجاتها المتفوقة نوعا وكما وجودة، لذلك فالمعالجة لا تكون بالحد من الاستيراد بل في تطوير القدرات الإنتاجية والمنافسة في أسواق التجارة العالمية، كما سيظل مسار الاقتصاد واعدا وهناك إمكانات لبلوغ معدل النمو السنوي ما بين (2%- 3%) ومعدل البطالة يظل في مستويات مقبولة بين (4%- 5%) ليرتفع معدل النمو الاقتصادي لنسبة (4%) قد يسبب تضخمًا عند مستوى مرتفع لنسبة تقارب (3%) بما يدفع إلى مراجعات واسعة للسياسات النقدية مقارنة بالاقتصاد الروسي الذي يواصل تكيفه مع العقوبات بمؤشرات واقعية تجاوز مرحلة الركود واستقرار معدلات التضخم عند مستوى (4%) فقط، وتعافي سعر صرف الروبل وعودة الناتج المحلي الإجمالي إلى النمو مرة أخرى، كما ستضر روسيا لتجميد إصلاحاتها الاقتصادية والهيكلية لمواجهة العقوبات الأمريكية الجديدة لتشكل خطورة على مشاريع كبرى والتي تستهدف بالدرجة الأولى قطاعي النفط والغاز الطبيعي، كما أن العقوبات ستؤثر أيضا على وصول المصادر التي تحتاج إليها بشكل كبير من أجل تحقيق أهداف التنمية التي تؤثر على دخول رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار الداخلي الروسي فضلا عن أن العقوبات وضعت الاستقرار العالمي في خطر من خلال فرض العقوبات على مدد استحقاق البنوك الروسية التي تشملها العقوبات لديونها من المؤسسات المالية الغربية لتنخفض من (30- 14 يوما)، فيما تتراوح مدة استحقاق شركات النفط والغاز الطبيعي بين (30- 90 يوما) فيما خفف المحللون الاقتصاديون من تأثيرات الاستثمارات الغربية التي ظلت بعيدة عن روسيا لفترة طويلة، وأن تأثير العقوبات الجديدة سيكون أقل من تأثير العقوبات السابقة. أما على الصعيد العالمي فهو نفسه ما توقعه صندوق النقد الدولي في تقريره، حيث أبدى تحسنا في النمو الاقتصادي العام، وأضاف أن تعافي النمو العالمي المعلن يسير وفق المتوقع مع ترجيح تسجيل نمو بنسبة (3.5%) عام 2017 ونحو نسبة (3.6%) في عام 2018، لكنه رجح تباطؤ الاقتصاد الأمريكي في العامين الحالي والمقبل وخفض الصندوق توقعاته بالنسبة للنمو الأمريكي إلى نسبة (2.1%) مقابل نسبة (2.3%) ونسبة (2.5%) سابقا، وبذلك يبقى النمو المتوقع أقل بكثير من هدف الحكومة الحالية لتحقيق نسبة تقدر نسبة (3%) كهدف تمرير تصديق تجديد العقوبات الأمريكية الروسية.