ذروة النفط

عادت عبارة ذروة النفط إلى البروز بقوة في الآونة الأخيرة، ولو في إطار مختلف هذه المرة. فالعبارة قديمة وتشير في المبتدأ إلى أن إمكانية توفير الإمدادات من الوقود الأحفوري محدودة وقد تصل إلى ذروتها، لكن هذه المرة فإن ذروة النفط أصبحت تشير إلى مفهوم جديد ومتنام يتركز حول قلة الطلب. يوم الخميس الماضي أصدرت الوكالة الدولية للطاقة تقريرها الشهري الدوري وأشارت فيه إلى العامل المجهول المتمثل فيما إذا كان العالم سيشهد موجة ثانية من انتشار فيروس الكورونا وانعكاسات ذلك على سوق النفط. ففي تقدير الوكالة أن الطلب هذا العام سيكون في حدود 91.2 مليون برميل يوميا رغم أن الإمدادات ستشهد تراجعا بنحو 12 مليون برميل إلى 88 مليونا، وهو أقل حجم من الإمدادات في غضون تسع سنوات. هذه التقديرات يمكن وضعها إلى جانب تصريحات لمديرين من كبريات شركات النفط العالمية وهما بريتش بتروليوم وشل. فبيرنارد لوني المدير التنفيذي لبريتش بتروليوم يرى أن فيروس الكورونا وبتعزيزه لحالة عدم اليقين والنظر إلى المستقبل يمكن أن يكون قد عجل بالوصول إلى مرحلة ذروة النفط، وهو احتمال لم يعد في الإمكان إلغاؤه كلية وأن القناعة أن الطلب لن يعود إلى المعدلات التي كان عليها ووصلت إلى 100 مليون برميل يوميا.  شركة شل وعلى لسان مديرها بن فان بوردين قالت إن فيروس الكورونا سيغير وضعية الصناعة النفطية إلى الأبد وأحد المؤشرات على ذلك أن الشركة قامت بخفض العائد الربحي الذي تقدمه لحملة أسهمها وذلك لتوفير احتياطيات مالية يمكن أن تعينها لمواجهة حالة عدم اليقين والأيام الممطرة المقبلة، وهي خطوة تقوم بها لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية. الخطوة تعني اعترافا ضمنيا بحالة تحطم الطلب حتى ولو تحسن وضع الأسعار، وتأتي هذه القناعة مخالفة لتقرير لذات الشركة قبل ثلاثة أشهر وكان يسير على نفس القناعة السابقة أن الطلب سينمو سنويا، وهي الظاهرة المستمرة منذ قرابة العقدين وظلت تتعذى بالنمو السكاني والنشاط الاقتصادي والعولمة عموما. فمن نتائج فيروس الكورونا أنه دفع بحوالي أربعة مليارات نسمة إلى البقاء في منازلهم وهو ما ستكون له تبعاته المستقبلية بالنسبة للنقل وأماكن العمل وغير ذلك مما يعزز من فكرة الوصول إلى ذروة النفط. ولهذا ستتسارع جهود الشركات الكبرى في التحول إلى ميادين الطاقة المتجددة. ومعروف أن كلا من شركات شل، بريتش بتروليوم وتوتال وإيني حددت لها إطارا زمنيا وهو العام 2050 لتنتقل من عالم إنتاج الطاقة الأحفورية. وثلاثين عاما ليست فترة طويلة لأحداث تغيير في بنية، عالم الطاقة، وهو ما سيسهم بتسريع الوصول إلى مرحلة ذروة النفط إضافة إلى تنشيط جهود مكافحة عمليات التغير المناخي وغيرها من التأثيرات المتوقعة لفيروس الكورونا على الحركة وأماكن العمل.