وزارة رأس المال البشري

كلنا يعلم أن التعليم هو الأساس، وجودته هي العلامة التي تفرق بين أمة وأخرى، وبين اقتصاد وآخر، بل ليس من المبالغة القول إن التعليم هو الذي يجعل التحول للإنتاجية والتنافسية ممكناً، ولطالما تحدثنا بإعجاب جمّ عن معجزات اقتصادية أحدثتها دول لا تمتلك موارد طبيعية، لكنها تمتلك موردا شائعاً في كل الدول، ألا وهو المورد البشري. دول لديها كثرة من البشر وتعتبرهم عبئا، فهم يعانون من الفقر والمرض والجهل، ودول لديها كثرة من البشر هم مصدر للثروة والإنتاج والتنافسية والإبداع والاختراعات وتوليد الكثير والكثير من القيمة المضافة اقتصادياً واجتماعياً وحضارياً. الإنسان هو الذي يصنع الفرق، فقد أوجده الله - سبحانه وتعالى - ليعمر الأرض، وتلك مهمة عظيمة ومسؤولية كبيرة بالفعل. يوم الخميس المنصرم، شاركت في جلسة حول الاقتصاد والتعليم، وما كان لي من بد من بيان وجهة نظري كمواطن، فلست من المتخصصين في التعليم، بأنه لو كان الأمر لي لجعلت مسمى وزارة التعليم «وزارة رأس المال البشري»، فهناك من يظن أن غاية وزارة التعليم أن تمحو الأمية، ولذا فالحرص يتركز على تعليم التلاميذ القراءة والكتابة، بل إن هناك ممن هو في دوائر التعليم من ينافح ويدافع عن أن ليس للتعليم دور في سوق العمل ولا في الإعداد له، ولا ثمة دور - حسب قول البعض - في زرع فكر الإنتاج والقيمة المضافة في أذهان الناشئة!. رأس المال البشري مرتكزه التعليم، وهو الذي يحدث فارقا، وهو الأكثر تأثيراً في النمو الاقتصادي. يُقصد بالنمو الاقتصادي زيادة قيمة ما تنتجه البلاد من سلع وخدمات، عاماً بعد عام. والعامل الأهم في تحقيق نمو اقتصادي إيجابي لأي دولة هو رأس المال البشري الذي تمتلكه تلك الدولة، فاليابان أحدثت معجزة اقتصادية بعد الحرب العالمية الثانية بفعل التعليم والتدريب والتأهيل، وكذلك ألمانيا، وبعدهما النمور الآسيوية، فمثلاً لم تكن ماليزيا تملك أي وزن اقتصادي، لكنها أثبتت قدرتها، ليس من خلال الاستمرار في تصدير المطاط، بل بالنقلة النوعية التي أحدثتها بتطوير مواردها البشرية واستخدام ذلك المورد استخداماً حصيفاً. وكذلك سنغافورة، شأنها شأن اليابان، لا تمتلك أي موارد طبيعية تُذكر، فنهضة سنغافورة قامت على التميز، الإنتاجية العالية والسياسات الاقتصادية المتقدمة، وليس ملائماً أبداً تجاوز ذكر كوريا، التي بدأت خطواتها الأولى للخروج من الفقر والعوز في نهاية الخمسينيات، واتجهت للاعتماد على النفس قدر الإمكان من خلال الإحلال محل الواردات عبر التصنيع المحلي، وكذلك لتنمية صادراتها باستهداف الأسواق الخارجية. الصندوق السيادي يرمي لزيادة العائد على استثمارات الحكومة لتخفيف اعتماد الخزانة العامة على ريع النفط، فيما يسعى صندوق رأس المال البشري لزيادة النمو الاقتصادي وبصورة خاصة في الأنشطة غير النفطية لتكون أعلى قيمة. وما يمكن لتنمية وتطوير وحسن استثمار رأس مالنا البشري أن تجلبه من عوائد، يصعب على أي صندوق منافستها فيه، فقوام الاقتصاد السعودي نحو 2.450 تريليون ريال، أي هذا قيمة ما ينتجه اقتصادنا من سلع وخدمات في عام واحد، أي أن نمو الاقتصاد بمقدار واحد بالمئة يجلب ما يزيد على 24 مليار ريال. لعلنا بحاجة خلال المرحلة الحالية إلى أن نحول نظام التعليم لدينا ليهيئ النشء ليساهم في تقوية البلاد وتعزيز مواردها، بالسعي للإبداع والتطوير وبث روح المنافسة الإيجابية القائمة على إتقان العمل والإتيان بما لم تأت به الأوائل عبر تطوير منتجات وخدمات قائمة أو ابتداع منتجات وخدمات جديدة تجلب قيمة إنسانية واجتماعية واقتصادية، لتصل بنا إلى ارتكاز قوة ومتانة وتنافسية الاقتصاد السعودي على جودة وإبداعات الموارد البشرية المواطنة، والتفرد النوعي لرأس مالنا البشري. أقر بأن هذا طموح ليس سهلاً، لكنه ليس مستحيلاً، إذا ما أوجدنا عزيمة ووسيلة لتحقيقه.