إنشاء صندوق خليجي لتمويل المشاريع الاقتصادية

تضمنت الرؤى والبرامج والسياسات الاقتصادية الخليجية التي أعدت وأقرت في السنوات القليلة الماضية إنشاء وتمويل مئات المشاريع الكبرى في قطاعات السياحة والصناعة والتعليم والمياه والطاقة والاستثمار في البنى التحتية، من مطارات وطرق وسكة حديد ومجمعات سكنية وتجارية وغيرها من القطاعات الهامة، سواء المشتركة بين دول مجلس التعاون أو المفردة على مستوى الدولة الواحدة، والتي من شأنها أن تحقق سياسات تنويع مصادر الدخل والإسهام بنسب أكبر في الإيرادات وتقليص نسبة الاعتماد على النفط، وقد أقرت تلك المشاريع في مرحلة كان فيها الوضع الاقتصادي مزدهرا والسوق النفطي منتعشا، حيث تصل فيه أسعار البرميل إلى ما يقارب الـ100 دولار. وتعكس تلك الخطط الطموحة في تمويل المشاريع الهامة رغبة دول الخليج في الاستثمار في قطاعات جديدة وحيوية تنعش الاقتصاد الخليجي، وتسعى إلى خلق اقتصاد متنوع ومستدام قادر على مواجهة التحديات والتقلبات العالمية ومنها بالطبع مواجهة تراجعات أسعار النفط في السوق العالمي، التي ستتسبب، كما هو متوقع، في تراجع مستويات الإنفاق على المشروعات، وذلك وفقا لتقييم (ميد) الشركة المتخصصة في هذا المجال، قد يصل هذا التراجع إلى 15%. وأشار التقرير إلى أن قيمة المشروعات قد تهبط من 165 مليار دولار في 2015 إلى حوالي 140 مليارا في 2016م، معتمدة في تقييمها على أكثر من 2100 مشروع في مراحل ما قبل التنفيذ وأثناءه، وتوقعت الشركة أن تكون المملكة العربية السعودية من أبرز المتأثرين، في حين أن كلا من مملكة البحرين وسلطنة عمان ستحافظان على مستوى الإنفاق بشكل ملحوظ في 2016م لمحدودية السوق فيهما، وستشهد كل من قطر والإمارات العربية المتحدة انتعاشا في المشاريع، خاصة في قطاعي السياحة والإسكان، لقدرتهما على التأقلم مع انخفاض أسعار النفط، نظرا للسياسات والإجراءات الاحترازية المتبعة وتراجع نسبة الاعتماد على النفط مقارنة بالدول الخليجية الأخرى. هذا وقد قال (إيد جيمس) مدير المحتوى والتحليل في الشركة بأن سنة 2016 ستكون (صعبة على الشركات في قطاع المشاريع، حيث ستقل بشكل ملحوظ). ومع تواصل تراجع أسعار النفط الخام التي بلغت ما نسبته 70% منذ منتصف 2014، حيث هبط سعر البرميل من 120 إلى حدود الـ30 دولارا، والتنبؤات المتشائمة بخصوص نمو الاقتصاد العالمي والتوقعات بعجوزات كبيرة في ميزانيات دول الخليج وعدم قدرة بعضها حتى على الالتزام بدفع رواتب موظفيها دون الاقتراض أو السحب من صناديق الاستثمار وبيع بعض الأصول.. لم يتطرق تقرير (ميد) إلى الكيفية التي ستمول بها دول الخليج تلك المشاريع حتى بمستوى التراجع الذي أشار إليه، ولم يشر كذلك إلى آثاره على الاقتصاد الخليجي، مع نظرتي إلى أن توقعات (ميد) تعتبر متفائلة إذا ما أسقطناها على مستويات التراجع في أسعار النفط الذي أدى إلى تراجع الإيرادات في بعض الدول إلى أكثر من 40% وما تركه من صعوبات على اقتصاد بلدان المنطقة، وهو ما يتطلب من (حكومات دول الخليج نهجا اقتصاديا جديدا خاصة في ظل التوقعات باستمرار التراجع في أسعار النفط العالمية لسنوات). إن دول الخليج تبدو اليوم في أشد الحاجة أكثر مما سبقها في تمويل وبناء مشاريع كبرى والاستثمار في القطاعات الإنتاجية المتعددة بالأخص، وذلك لتحريك وتسريع عجلة الاقتصاد الخليجي وضخ المزيد من النشاط إلى شرايين جسده المنهك بسبب تراجع الإيرادات النفطية. ولتحقيق ذلك فإننا بحاجة إلى رؤوس أموال لا يمكن الحصول عليها إلا من خلال مصادر متعددة يجب أن تتضافر وتتعاون كل الأطراف لتوفيرها، والتوجه نحو إنشاء صندوق خليجي بأموال ضخمة لتمويل مشاريع القطاعات غير النفطية تساهم فيه بنسب متفاوتة الأطراف التالية: الحكومات - صناديق الاستثمار - صناديق التقاعد – القطاع الخاص – الاستثمار الأجنبي - الأثرياء في دول الخليج.. على أن توجه هذه الاستثمارات بشكل مدروس وبإشراف دقيق وقوي ودراسات جدوى ووفق أسس واشتراطات تعتمد المتابعة والمحاسبة والتوجه إلى الاستثمار في قطاعات السياحة، القطاع السمكي، الصناعة، النقل، التعليم، المعادن، الطاقة، البنى التحتية... إلخ، والهدف من الاستثمار تعزيز مساهمات هذه القطاعات في الإيرادات وتنشيط مختلف القطاعات الاقتصادية وتوفير فرص عمل جديدة للمخرجات الوطنية.