أسعار النفط !

نجحت منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» في اتخاذ قرار تاريخي يتمثل في خفض الإنتاج من مستواه الحالي البالغ 33.24 مليون إلى 32.5 مليون برميل يوميا. يأتي هذا القرار الاستثنائي بعد حرب كلامية شرسة بين الدول الأعضاء استمرت لأكثر من عامين ونصف العام، تخللتها مفاوضات ومؤتمرات بدون عنوان وبدون هدف محدد، فكانت معقدة وصعبة كان دافعها الرئيسي هو التهديدات المتكررة بإغراق السوق العالمي بالنفط. كان هناك إصرار على ضخ المزيد من النفط في السوق للحفاظ على الحصص. عامان ونصف العام والعالم يراقب كيف ستؤول إليه هذه الفوضى النفطية، أما شعوب الدول النفطية وبعد أن سلبت منها سياسات التقشف الرفاهية والاستقرار المالي بدأت وكأنها في حيرة ماذا تفعل وموردها الوحيد يباع في أسواق البحار والمحيطات بثمن بخس. لقد أدت هذه الفوضى إلى خسائر مالية ضخمة قدَّرَها صندوق النقد الدولي بنحو 500 مليار دولار خلال عام واحد فقط للدول الخليجية التي تعتمد على إيرادات النفط لدعم ميزانيتها. السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو هل سيرتفع سعر النفط؟ لمعرفة مدى تأثير قرار أوبك بخفض الإنتاج على سعر النفط، ينبغي أولاً الإشارة إلى الأسباب التي أدت إلى انخفاض الأسعار من 140 دولارا في نهاية عام 2014 إلى أقل من 35 دولارا في منتصف العام الحالي. عوامل عدة أسهمت في تدني أسعار النفط أهمها ارتفاع الكمية المعروضة من النفط في الأسواق العالمية، حيث أصبحت أكبر بكثير من الكمية المطلوبة، شجع ذلك الشركات النفطية على شراء كميات كبيرة من النفط وتخزينه على أمل أن يرتفع ومن ثم بيعه، ولا تزال أسعار النفط حتى يومنا هذا تعاني من تخمة المعروض. كما أن زيادة إنتاج الولايات المتحدة من النفط الصخري ساهمت في انخفاض الأسعار. إنه وبفضل التقنية الجديدة تمكن هذا البلد من زيادة إنتاجه بتكلفة أقل، وبذلك وضع نفسه إلى جانب السعودية وروسيا كأكبر منتجي ومصدري دول العالم للنفط. فقد ارتفع إنتاج أمريكا من 5 ملايين برميل في اليوم في عام 2008 إلى أكثر من 9.5 مليون برميل في اليوم في عام 2015. سيستمر هذا النفط كمصدر عدم استقرار لأسعار النفط، إلا أنه من غير المتوقع أن تنخفض تكلفة إنتاجه كثيرا خلال السنوات القليلة القادمة، تقارير عدة تشير إلى أن شركات تنقيب أمريكية بدأت بالفعل التخلي عن مشاريع جديدة لتوسيع حقولها أو بناء منصات، وأن شركات النفط الأمريكية تفكر بالتخلي عن بعض الإنتاج. كما أن التباطؤ الاقتصادي الذي شهدته الصين وتراجع المؤشرات الاقتصادية في أوروبا ودول أخرى من العوامل التي أحدثت آثارا سلبية انعكست على حجم الطلب العالمي على النفط. إلا أن هذه الاقتصاديات بدأت بالتعافي ومن المتوقع أن يرتفع طلبها على النفط. وبناء على ذلك يمكن القول إنه من الصعب التكهن بمستقبل أسعار النفط، فهناك متغيرات كثيرة تؤثر عليه، إلا أنه ونظرا للعوامل التي أسهمت في تدني الأسعار فإن استمرار أوبك في خفض إنتاجها سيسهم كثيرا في إحداث توازن بين العرض والطلب، فكلما ارتفع السحب من المخزون لدى شركات النفط العالمية فإن الأسعار ستتعافى. ومن المتوقع أن تبقى الأسعار متذبذبة خلال النصف الأول من السنة القادمة حتى تتضح الصورة حول التخمة المعروضة وتعافي الاقتصادين الصيني والأوروبي كليا، وبعد ذلك ومع استمرار التوازن بين العرض والطلب المدعوم بانخفاض الإنتاج سترتفع الأسعار بشكل تدريجي.