الشهرة أو التأثير... صراع لا ينتهي

منذ عدة أيام وفي جلسة مسائية هادئة مع بعض الأصدقاء، سأل أحدهم سؤالا جميلا حين قال: ما الفرق بين الشهرة والتأثير؟ وأيهما أهم؟ وهو ما فتح في ذهني افاقا جميلة لكلٍ من الكلمتين السابقتين وتأثير كل منهما في المجتمع بل وبالتحديد في عالم الاقتصاد. وهنا دار النقاش فالشهرة هي ان تكون معروفا لدى كثير من الناس حتى وان كانت هذه الشهرة او المعرفة غير ذات قيمة بل واكثر من ذلك حتى وان كانت لأسباب سلبية وغير مقبولة اجتماعيا او أخلاقيا، فها هو "ال كابوني" مثلا يملك شهرة واسعة تجوب الأرض ذهابا وإيابا ولكنها في عالم الجريمة، وها هما "فرعون" و"أبو لهب" يظهران في معظم كتب التاريخ ولكن بحلة مُظلِمة وافعال غير محمودة، وبنفس الوقت ها هي السيرة العطِرة لنبيِّنا العظيم وصحابته مثل "عمر بن الخطاب" و"على بن بي طالب" تُزين حياتنا وتنير دروبنا يوما بعد يوم، وها هي أيضا مصابيح كهرباء "اديسون" وجاذبية "نيوتن" تشُدّ علماء القرن الواحد والعشرين لينطلقوا من نظرياتهم في سماء العلم والمعرفة، أيضا وأيضا ها هو "جلال الدين الرومي" وكلماته عن العشق وقواعده تنير دروب الباحثين وتنزل كموسيقى "موزارت" و"بيتهوفين" على اذان كثير من محبيه، وهنا كان السؤال: من هو الشخص المؤثر؟ وكيف يؤثر على الاقتصاد؟ وهل هناك من حالات جديدة تحمل في طياتِها تأثيرا حقيقيا في أيامنا هذه؟.  أولا وقبل أي شيء فإن التأثير بمعناه الشامل هو ان تجعل الناس والمجتمعات يؤمنون بما تقول او تفعل، ليقوموا بعدها وبقناعة فكرية مُطلقة وحرية ذاتية كاملة باستخدام او تطبيق ما قلته مرارا وتكرارا، وهو ما يعكس معنى التأثير الحقيقي الذي يظهر بالقول والفعل برغم مرور الزمن او تباعد المسافات او حتى الغياب الفعلي للشخص المُؤثر، اما الشهرة وبمعناها المبسط فهي ان يكون الشخص او الشركة معروفين لعدد كبير من الناس وبغض النظر عن مدى تأثيرهم في المجتمع او مدى ايمان الناس بما يقولون او يفعلون، فكثير من الناس وفي أيامنا هذه قد يقع في فخ الشهرة الزائفة او الشهرة السلبية وهي ان يكون مشهورا بسبب أفعال او اقوال غير مقبولة من محيطه وبالتالي يتحول الى شخص مشهور ومنبوذ اجتماعيا في نفس الوقت وهو ما يتضارب مع مفهوم التأثير السابق ذكره. اما بالحديث عن التأثير ونتائجه الاقتصادية فهي نتائج متعددة ومهمة بذات الوقت ولتوضيح ذلك لنا في الحديث عن شركة "اوبر" و"طلبات" وحتى "امازون" امثلة حية وحقيقية عن الشركات المؤثرة، فهذه الشركات وبعيدا عن شهرتها الكبيرة الا ان تأثيرها في نماذج الاعمال قد أصبحت واقعا لا يمكن تجاهله حيث تمكنت هذه الشركات من بناء نموذج عمل جديد يقوم على سهولة وسرعة طلب الخدمة وليس على انتاجها وتقديمها، وبالتالي باتت شركة "اوبر" اكبر شركة تنقل برِّي في العالم بالرغم من انها لا تملك أسطولا كبيرا للنقل فهي تعتمد على سائقين يملكون سياراتهم وآلياتِهم المتنقلة، وكذلك اصبح موقع "طلبات" المكان الأهم والاكبر عالميا في تقديم المأكولات التي يصنعها الغير ليكتفي هو بعرض وتقديم هذه المأكولات وتوصليها احيانا، اما موقع "امازون" وهو الموقع الأكبر لبيع السلع فانه لا يملك الا عددا بسيطا جدا من المتاجر الملموسة فهو يقوم على فكرة التسويق الالكتروني لمنتجات الغير، جميع ما سبق ساهم وأثّر فعليا في فكرة الاستثمار لتصبح فكرة التسويق هي فكرة مستقلة لا تشترط وجود عملية إنتاجية للقيام بها وهو ما سيترك تأثيرا مباشرا وواضحا على جميع الشركات وقطاعات الاعمال بلا استثناء في المستقبل القريب. كذلك فإنه يجب الإشارة هنا الى ان توافر الشروط العديدة للانتشار والشهرة والتأثير قد باتت في زماننا هذا أكثر يسر وسهولة من عصور سابقة، فنحن في عالم الانترنت والاتصال السريع الذي بات يحمل في ثانية واحدة اخبار الناس والشركات لتجوب العالم عبر آلاف الكيلومترات، نحن في زمن الأرقام التي تُقاس بعدد المتابعين والمعجبين والتي ما ان تدخل في بورصة الاعمال حتى تتحول لأموال ملموسة في ايدي المشاهير والمؤثرين. وأخيرا وبرأيي الشخصي وبعد التحية للصديقين اللذين كان لنقاشنا سوية اثر ظهر في هذا المقال، فإنه وبالرغم من ان الشهرة هي شرط مهم واساسي للتأثير الا ان عملية التأثير نفسها هي عملية معقدة ومتداخلة تحتاج للعديد من الصفات والميزات التي تجعل من الشخص المؤثر متميزا في سربه وتنقله لمرحلة يصبح بها مثالا يُحتذى به والتي قد يكون من أهمها ان تكون سبّاقا ومتفردا في سلوك وتصرفات خاصة تنبُع من ايمان عميق ورؤية صادقة تُقرن القول بالفعل والفعل بالأثر الصالح بالتحديد، وهنا أستذكر مقولة "هيلين كبلر" الاديبة الامريكية الشهيرة "بعض الناس من الغباء ما يكفي أن تتصور أن الثروة والسلطة والشهرة تطمئن قلوبها، ولكنها لا تفعل، ما لم يتم استخدامها لإنشاء وتوزيع السعادة في العالم".