يبدو أن مستثمري العالم لم يتعلموا بعد درس الأزمة المالية العالمية الراهنة بما فيه الكفاية وأنهم ما زالوا غير قادرين على تقدير مدى المخاطر المحيطة بهم في عالم اليوم، ودليلنا في ذلك الانخفاض الحاد بمؤشر مجلس بورصة شيكاغو لعقود الخيارات «فيكس» خلال معظم فترات عام 2017 وهبوطه تسع نقاط كاملة وبلوغه أدنى مستوى له على مدار العقد الماضي. ولقد حقق مؤشر «فيكس» أكبر انهيار له منذ مارس 2007 أي قبل عصف أزمة الرهون العقارية الأمريكية بالنظام المالي العالمي، وعلى الرغم من هذا الانهيار الكبير لمؤشر «فيكس» فإن الأسواق العالمية وخاصة الأمريكية والبريطانية تصرفت وكأنها أمام مخاطر منخفضة أو عادية، ليتفاجأ الجميع بعد ذلك بوقع الأزمة في أعقاب انهيار سوق العقارات والمنازل، وهو الأمر الذي عكس فشل الخبراء والاقتصاديين والماليين في دراسة وتحليل البيانات المتاحة والمطروحة بشكل جيد. ولعل أهم ما يميز مؤشر «فيكس» قيامه بقياس حساسية الأسواق المالية لحالة عدم اليقين من خلال أسعار عقود خيارات الأسهم، لذا يطلق عليه الكثيرون اسم مؤشر «الخوف»، علماً بأن انخفاضه يعني أن العالم يمر بفترة تحمل الكثير من المخاطر، مما يدفع المستثمرين إلى البحث عن العائد المرتفع حتى لو كان من خلال اقتناء الأصول الخطرة من أسهم وسندات وعقارات وعملات وتفضيلها على الأدوات الاستثمارية الآمنة مثل أذون الخزانة الأمريكية أو الأوراق المالية الأخرى الآمنة، بما يعني وجود فرص عديدة في تحقق إحدى هذه المخاطر أو أكثر خلال الفترة المقبلة. ويرى الكثير من الخبراء أن الخطوة الأكثر خطورة واحتمالية في السنوات القليلة القادمة تتمثل في انفجار فقاعة سوق الأسهم، بالنظر لبلوغ مؤشراتها الرئيسية لأعلى معدلاتها في الشهر الماضي بالعديد من الدول المتقدمة، وأصبحت أسعار الأسهم مرتفعه كثيراً بالنسبة لمعياري الأرباح والأرباح الموزعة، وبلغ معدل الربح إلى السعر أكثر من 30%، وهو الأمر الذي لم يحدث سوى عامي 1929 و2000 وهما العامان اللذان حدث في أعقابهما انهيار في سوق الأسهم، كما أكد هؤلاء الخبراء كذلك على وجود مخاطر واضحة بسوق السندات المغالى في تقييمها بشكل كبير. ويؤكد هؤلاء الخبراء والمتخصصون على أن أزمة سوقي الأسهم والسندات سوف تتعمق في حالة تحقق التكهنات برفع المركزي الأمريكي لأسعار الفائدة بمعدل أسرع من المتوقع، وخاصة بعد ترشيح الرئيس «دونالد ترامب» للسيد «جيروم باول» محافظاً جديداً للبنك المركزي الأمريكي وهو المعروف بتأييده لرفع أسعار الفائدة بشكل متدرج. بالإضافة إلى ارتفاع وتيرة المخاطر الجيوسياسية المتعلقة بالبرنامج النووي لكوريا الشمالية والمخاطر المرتبطة بالعديد من دول الشرق الأوسط في ظل ضعف الثقة في قدرة القيادة الأمريكية على بث الاستقرار. كما يؤكد هؤلاء الخبراء كذلك على أن أحد أهم الأسباب الرئيسية لتقليل المستثمرين من شأن المخاطر هو فشلهم في تحديد رؤية واضحة وخاصة في فترات التقلبات المنخفضة التي تغري الكثير منهم بشعور زائف من الأمان وهو ما يدفعهم نحو المزيد من الاستدانة ومن ثم التعرض لحدوث الأزمات والصدمات السلبية أياً ما كانت.