تمثل المرأة ركيزة أساسية من ركائز الإنتاج، تشارك بجهدها وتخصصها وخبراتها وكفاءتها في سوق العمل، في حقول وأوردة اقتصادية عديدة، وتسهم مع الرجل بما تتحصل عليه من عائد مالي في ازدهار ورخاء واستقرار الأسرة، والدفع نحو تحصيل أبنائها لفرص تعليمية وعلاجية أكثر جودة، وهي كذلك تعزز القوة الشرائية في البلاد محدثة نشاطا قويا في السوق تعادل مساهمة المعيل الرجل أو (رب الأسرة) ولا تقل عنه في شيء. وما زالت صورة المرأة في القرية - التي عشت فيها طفولتي - وهي تشارك أفراد أسرتها وزوجها في العديد من حقول العمل مرتسمة في ذاكرتي، ففي البساتين والتجارة في السوق وتربية الماشية وصناعة الحرف وتعليم الأطفال القرآن الكريم.. كانت المرأة عنصرا فاعلا في كل تلك الأنشطة وفي غيرها من المجالات الاجتماعية والاقتصادية. وقد عبر أمارتيا كومار سن في كتابه (التنمية حرية) أفضل تعبير عن دور المرأة في تحفيز سوق العمل وتعزيز رخاء الأسرة، مؤكدا بأن (انخراط المرأة في عمل مربح يدر عائدا له نتائج إيجابية كثيرة على دور المرأة كعنصر فاعل والذي يشتمل على مزيد من الاهتمام برعاية الطفل، ومزيد من القدرة على إعطاء الأولوية لرعاية الطفل في القرارات المشتركة للأسرة)، فالمرأة (حين يكون عملها خارج البيت وتكتسب أجرا فإن مساهمتها في رخاء الأسرة تغدو واضحة للعيان). وقد أسفرت جهود الرجل ومطالباته - قبل أن ينضم إليه النصف الآخر - بفك قيود المرأة وتحريرها من الجهل والحرمان وتمكينها من ممارسة حقوقها الإنسانية الأصيلة في التعليم والعمل والمشاركة السياسية والتعليمية، وعزز النظام الديمقراطي من حقوق ومكانة المرأة بعد عصور من الكبت والظلم والتقييد وتأصيل أعراف وقيم تؤسس لربطها بخدمة بيتها وزوجها وأسرتها فقط وحرمانها من ممارسة العمل الخارجي. فقد (كانت معظم المجتمعات البشرية، على الأقل منذ الثورة الزراعية، مجتمعات أبوية، منحت الرجال قيمة أعلى من النساء) فـ (الصفات التي تعتبر ذكورية لها قيمة أعلى من تلك التي تعتبر صفات أنثوية). وساهمت المنظمات والمؤسسات الدولية في تحسين وضع المرأة على مستوى العالم، وتنبهت الأمم المتحدة إلى هذه القضية، ووضعتها ضمن أهداف التنمية المستدامة في أفق 2030م، الذي يتحدث عن المساواة بين الجنسين وتمكين النساء، عبر ضمان حصولهن بشكل متكافئ مع الرجال «على التعليم والرعاية الصحية والعمل اللائق...». أما اليوم وبعد أن حصلت المجتمعات على المزيد من الحقوق القانونية والسياسية والفرص الاقتصادية المتساوية بين النساء والرجال، ونالت المرأة نصيبا وافرا من التعليم في السلطنة ودول الخليج وأصبح لها الحق في مشاركة الرجل في سوق العمل، فهي تسهم بفاعلية في ازدهار وضع الأسرة والتخفيف من أعباء رب العائلة، أبا كان أم زوجا، فسعيد الرجل الستيني الذي أنهكته الحياة وأحنى ظهره العمل الشاق في ورش السيارات ومصانع الألمنيوم صباحا ومساء للوفاء بالتزامات بيته الضرورية وتوفير متطلبات أفراد أسرته المعيشية، تحسنت حياته بشكل كبير بفضل بناته الثلاث بعد أن التحقن بسوق العمل وأصبحن يستلمن أجورا شهرية ساهمت في بناء منزل حديث وإقناع والدهن بأن يتوقف عن العمل الشاق ويجنح للراحة ما تبقى له من عمر، وتغيرت حياة أسرته لتصبح أكثر ازدهارا ورخاء. وسعيد ليس إلا نموذجا لقائمة طويلة من الآباء والأزواج الذين تتحسن حياتهم المعيشية وتتحقق أهداف وتطلعات أفراد أسرهم على ضوء عمل المرأة.
