أسمع فأنسى أرى فأتذكر أطبق فأفهم

التعليم الذي يصنع المعرفة هذه المقولة للفيلسوف والمفكر الصيني كونفوشيوس، حوالي 500 قبل الميلاد، لقد استوقفتني هذه المقولة عند النظر لمستوى واتجاه التغير في نمطية الاقتصاد العربي على مر القرن الماضي وبغض النظر عن الفروقات البينية في الاقتصادات العربية، إلا أن معظم هذه الاقتصاديات لم تستفد من التجارب والمدارس الأخرى والتي لاشك أن فيها من العيوب ولكن سبقت الاقتصاديات الغربية على وجه الخصوص النمط الاقتصادي العربي نوعيا وكميا. لست هنا وفي هذا الصدد للبحث عن شماعة لأعلق عليها الفشل إن جاز التعبير ولكن أحاول أن أستفيد مما قاله الفيلسوف الصيني كنفوشيوس مؤسس المدرسة الكنفوشوسية الصينية عندما قال: أسمع فأنسى، فقد عنا في ذلك أن التعليم لن يكون مجديا إذا اقتصر على مكان التعلم دون أن يترجم سلوكا وتطبيقا في الحياة العملية، وعندما قال أرى فأتذكر، وقد عنى في ذلك التكاملية بين علاقة الرؤية، أي الاطلاع على تجارب الآخرين والتذكر، أي الاستفادة مما تم تعلمه سابقا، وأخيرا ختم بقوله "أطبق فأفهم" وفي ذلك حكمة كبيرة في الإشارة للعلاقة الوثيقة بين التطبيق العملي والفهم الحقيقي الذي يؤدي، لا شك، إلى النجاح. وهنا يأتي دور الإسقاط المهم جدا على واقع النموذج الاقتصادي العربي، فعندما نتكلم عن الفجوة بين الاقتصاديات العربية والغربية دائما ما تطرح قضية الفجوة الزمنية التي نحاول أن نقلصها باستمرار وعلى هذا يأتي جل اعتراضي، ذلك أن البشرية على تاريخها كاملا لم تقم بشيء يذكر على الأقل خلال الخمسة آلاف سنة السابقة إذا ما قورنت بالمئة وخمسين سنة السابقة والتي ظهرت فيها معظم الاختراعات والاكتشافات فيما يتعلق بالصناعة والكهرباء والبترول والثورة المعلوماتية وغيرها من ملامح الحضارة الحديثة، إذا هي فترة زمنية قصيرة نسبيا في عمر الأمم والشعوب عليه فلا يعتد بها كسبب لتراجع الاقتصاديات العربية مقابل الغربية والمقصود هنا بالتراجع التراجع النوعي. وفي هذا الصدد أعود لكنفوشيوس وقوله أسمع فأنسى أرى فأتذكر أطبق فأفهم.. فأين نحن من حواس الشعوب ولما لم نتسمع ونتذكر ونطبق ونفهم، وأين هو الخلل، أعتقد أنني أعرفه، إنه الجهل، إنه عدم الاهتمام بالتعليم الحقيقي وهو التعليم القيمي الأكاديمي والانتمائي وهو التعليم الذي يصنع المعرفة ويضع بين يديك آليات وأساليب تطبيق العلم في الحياة، كما يضمن التطبيق الذي يقود إلى الاستمرارية والإستراتيجية، وبالتالي التحول إلى الاقتصاديات الصناعية المنتجة ذات القيمة المضافة واللحاق بالركب وليس ذلك ببعيد وإلى ذاك الحين هذه تحية.