ظل الاعتقاد سائدا أن الاقتصاد حكر على المتخصصين، وأن الأرقام والإحصائيات والنسب مجالها الغرف المغلقة، وأن اللغة الاقتصادية لا تهم المواطن العادي، بل ما يهمه هو السياسة، دون أن يعلم المنظِّرون لهذه الفكرة أن السياسة ليست أكثر من تعبير مكثف ومُرَكَّز عن الاقتصاد، الذي يظل النابض الخفي لكل سياسة، وبهذا المعنى فإنه لا انفصال بين السياسة والاقتصاد، بل فهم أعمق للسياسة من وجهة نظر اقتصادية. وهو ما تفتقده الصحافة العربية بشكل عام. فمعظم الصحف العربية تُصدر ملاحق اقتصادية تحاول من خلالها تغطية بعض الأخبار والموضوعات الاقتصادية دون أن تقدم التحليل الذي يسمح بالتعرف على معنى وخلفيات الأخبار، ولذلك تظل تلك الملاحق مجرد تغطية صحفية لموضوعات اقتصادية فقط، وربما من هذا الباب جاءت هذه الجريدة اليومية الاقتصادية الغراء لتشكل إضافة حقيقية للعملية الاقتصادية بمعناها العام، وللتحليل الاقتصادي الذي يخدم المواطن والمسؤول ورجل الأعمال والمستثمر بمعناه الخاص. وأهمية مثل هذه الجريدة الاقتصادية اليومية لا تكمن في تغطياتها وكُتَّابِهَا ومحرريها والقائمين عليها، وإنما بحقيقة صدورها في دولة تمثل ثقلا اقتصاديا عالميا، لمكانتها في عالم الطاقة وصناعتها، وحجم صناديقها السيادية ذات الاستثمارات العالمية الواسعة، وتنوع اقتصادها في منطقة ما زالت معظم دولها تعتمد على النفط كأحد أهم الإيرادات العامة، ومصدر الإنفاق الحكومي، كما تعبر عنها ميزانياتها. فليس سهلا ولا هو بسيطا إصدار صحيفة اقتصادية يومية، ما يعني أن هذه الصحيفة وُجِدَت لتبقى، وأن لديها ما تضيفه، وأنها ستكون نقلة نوعية في العمل الصحفي، ليس الخليجي فقط وإنما العربي، وهي تضم في جنباتها باقة من الكُتَّاب والمحللين الاقتصاديين الذين سيكونون مصدرا غنيا في رصد الحدث الاقتصادي والإضاءة عليه، واقتراح الحلول للمشكلات ولَفْت النظر إليها، وتوطين الإنجازات والبناء عليها، لتكون هذه الصحيفة مرجعا يُعْتَد به، مصداقية ورصانة وعلما. وقد كان طبيعيا أن تواكب النهضة الاقتصادية القطرية نهضة إعلامية متخصصة، تتابع خطواتها وآفاقها، وتنقل إنجازاتها، وتتفاعل معها بعلمية ومهنية وحرص ومسؤولية، باعتبار أن الاثنين، الاقتصاد والإعلام، شركاء معا في فريق عمل واحد، كل عضو فيه مساهم في إثراء التجربة وتحويلها لتكون صناعة حقيقية قادرة على تقديم منتجات تحوز رضا الناس، وهي تركز على تلبية حاجاتهم، ورصد متطلباتهم، لتشكيل منظومة تفكير اقتصادي ناقد ولمَّاح وذكي. مكانة الإعلام الاقتصادي تعززت بعد سلسلة الهزات المالية والاقتصادية والنفطية التي اجتاحت العالم وانتقالها المبرمج من منطقة إلى أخرى، وهو ما جعل من العلاقة التبادلية بين الإعلام والاقتصاد ذات أهمية كبيرة، فالاقتصاد الناجح يصنع إعلاما اقتصاديا متفوقا، والإعلام الاقتصادي العلمي والمهني يساهم باستدامة الاقتصاد الناجح، وفي الحالتين لابد من وجود قيادات متخصصة وكوادر مؤهلة ومراكز بحثية تدعم صناعة الإعلام الاقتصادي، ولعل هذه الصحيفة تكون موئلا لمركز دراسات وأبحاث واستطلاعات رأي اقتصادية، لتقدم نفسها منذ البداية مرجعا لا غنى عنه لمتخذ القرار الاقتصادي، ومصدرا للمعرفة والثقافة الاقتصادية للمواطن. على بركة الله نبدأ، وبتوفيقه نستمر، وبالجهد والتميز نمضي معاً على طريق مستدام من النجاح المتواصل، من أجل وطن أجمل، ومواطن أوعى، واقتصاد أفضل وأقوى، ومجتمع المعرفة عنوانه الأبرز، وهذه جميعها أهم مصادر التفوق، والقوة الناعمة التي بها ومن خلالها تصنع النهضة الموعودة في شتى مناحي الحياة، وفي المقدمة منها الاقتصاد.