تكتنف سياسات الاستثمار الزراعي، فيما عرف بمفهوم "الاستحواذ"، على أراض زراعية في دول أخرى، بالتملك أو الشراكة أو الاستئجار - الذي أقرته دول عربية - مخاطر جمة من بينها احتمالات الحروب والصراعات وهشاشة القوانين والفيضانات أو الجفاف والآفات.. التي قد تتسبب في خسائر مهولة، وعلى ضوء النتائج التي تعرض لها التجارب والدراسات حول هذا النوع من الاستثمار فيوجه "النصح إلى الدول العربية بأن تعيد تقييم فاعلية استراتيجية اقتناء الأراضي في الخارج..."، فيما يعتبر هذا الرأي دولة قطر نموذجا "للخطوات التي اتخذتها في هذا الاتجاه ومشجعة للآخرين بأن يتبعوها". ويعترف "جين هاريغان"، على ضوء اتفاق "العديد من المحللين على أن الأسعار المرتفعة للغذاء ستظل فترة ممتدة من الزمن"، إذ سيحتاج "إنتاج الغذاء على مستوى العالم إلى زيادة بنسبة 40% بحلول عام 2030م، وبنسبة 70% بحلول عام 2050م، لتلبية الطلب المتوقع...". وبالرغم من أن البيانات والمؤشرات والمعلومات التي يتضمنها الكتاب قديمة نوعا ما، إلا أن ذلك لا يقلل من قيمته وما يحتويه من محاور وحقائق عميقة ذات صلة بموضوعه، فهذه الزيادات المتوقعة على أرقام الطلب على الغذاء لم تأخذ في الاعتبار ما واجهته وتواجهه أزمات الغذاء من تحديات عميقة متمثلة في جائحة "كوفيد - 19"، والحرب الروسية – الأوكرانية، وإلا بدت الأرقام مضاعفة، ومصطلح الاقتصاد السياسي عنوان الكتاب، تدخل تحت مظلته العديد من المفاهيم، كاقتصاد الأسرة والإنتاج والتجارة وسياسات الحكومات المقرة والمنفذة لتحقيق الخطط والبرامج والنمو والأهداف ذات العلاقة بالقطاعات الاقتصادية وتنوعها ونموها وازدهارها... فيما تعني السيادة الغذائية للدول بـ "حق الشعوب في غذاء صحي وملائم ثقافيا ينتج عن طريق أساليب سليمة بيئية ومستدامة، وحقها في تحديد نظمها الغذائية والزراعية فهو يضع أولئك الذين ينتجون ويوزعون ويستهلكون الغذاء في قلب النظم والسياسات الغذائية...". وقد أخفقت السياسات العربية في تحقيق الاكتفاء الغذائي، ولم تر المشاريع المشتركة النور، للأسف الشديد، بالرغم مما تمتلكه بعض الدول من أراض زراعية شاسعة وثروة مائية تكفي لزراعة آلاف الأطنان من المساحات الزراعية وعدد ضخم من المزارعين، ووفرة مالية تمتلكها دول أخرى، لأسباب تطرقنا لها في مقالات أخرى، ولم نستفد من التجارب السابقة ذات العلاقة بتقلبات أسعار الغذاء وأزماتها في السوق الدولية في ٢٠٠٧ - ٢٠٠٨، والتغيرات المناخية في ٢٠١٠، فهل ستنجح السياسات والخطط العربية في استثمار جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية، في إطلاق نهضة غذائية تحقق اكتفاء السوق العربية من الغذاء؟ والذي تقدر منظمة الأغذية والزراعة "فاو" ارتفاع تكلفته عالميا بما قيمته "٥١" مليار دولار في ٢٠٢٢م، مقارنة بعام ٢٠٢١م، معظم المؤشرات والمشاهدات لا تشي بتحقيق ذلك قريبا، فالحروب والصراعات والخلافات، والفساد، وفشل البرامج والمشاريع والأزمات السياسية والاقتصادية، وغياب الإرادة المشتركة، التي يعاني منها العالم العربي تئد التوجهات والمساعي في بناء نُظم غذائية تتميز بالكفاءة وتحفز على التحول في إنتاج زراعي قادر على تلبية احتياجات السوق، في تجاهل للكثير من الحقائق الماثلة وفي مقدمتها ما أقرته منظمة الصحة العالمية بأن "سوء التغذية هو أكبر تهديد فعليا للصحة في جميع أنحاء العالم؛ فإنه يبطئ النمو الاقتصادي ويؤدي إلى الفقر".