نتائج أوروبية باهرة

التجربة اليونانية تبقى النقطة السوداء الأساسية في تجربة اليورو، أقلقت كل أوروبا من ناحية التكلفة والاستمرارية والمدى الذي يمكن أن تصل إليه الخسائر والمساعدات. هنالك اتفاق بين المجموعة الأوروبية واليونان على تنفيذ سياسات تقشفية قاسية، لكن احتمال النجاح يبقى ضئيلا. لا تمكن معالجة مشكلة اليورو من دون النظر إلى أوضاع الدول الداخلية خاصة الدول الثلاث الأساسية. في ألمانيا نمت الإنتاجية بنسبة أعلى من الأجور، بينما تعادلت في فرنسا وكانت النتيجة عكسية في إيطاليا. هذا الفارق يرفع الشرخ بين الدول وبالتالي ينعكس سلبا على التجانس المطلوب، يجب تنفيذ إصلاحات أهمها تعزيز السلطات المالية المشتركة كما وضح ماكرون منذ انتخابه. هل تقبل ألمانيا؟ ما هي النتائج الأولية لحكم ماكرون؟ أهمها تحسن سعر صرف اليورو تجاه الدولار ليس فقط بفضل الرئيس الجديد وإنما أيضا بفضل ترامب. للمرة الأولى بدأنا نسمع سياسيين أمريكيين، حتى جمهوريين، يقولون إنهم ربما لم يختاروا الكفاءة للرئاسة. ستمر الولايات المتحدة بظروف سياسية صعبة تنعكس سلبا أكثر على الدولار، حيث بدأت الصحافة والسياسة تذكرنا بفضيحة ووترغيت. لا شك أن الأسواق الحقيقية والمالية الأوروبية بدأت تشهد نهوضا منذ انتخاب ماكرون ولابد من الانتظار قبل أن تبدأ الاستثمارات الجديدة. تأخر ميركل في تشكيل الحكومة الجديدة هي نقطة سوداء لكنها غير مقلقة بالنسبة لمنطقة اليورو. زيارة ماكرون للصين مؤخرا واجتماع الدول الأوروبية المتوسطية هو نفس جديد للتعويض عن المغامرات الأمريكبة في المنطقة. سياسات أوروبا بفضل ماكرون وغيره تعطي بعض التوازن ضمن الأهداف الغربية، خاصة بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل. المهم ليس فقط تطوير العلاقات العربية الأوروبية في السياسة وإنما في الاقتصاد وفي التبادل التجاري والمالي والاستثماري. هنالك تكامل بين الميزات التفاضلية العربية والأوروبية لابد من تطويرها وتقويتها، المطلوب أن تكون هنالك إرادة واضحة من الجانبين لإيجاد الآليات وتنفيذ الأهداف. عندما يقلق الأوروبيون بالنسبة لمستقبل أوروبا، علما بأن الأرقام جيدة، فهل هذا يعني أنه ليست هنالك تجارب ناجحة بين الدول؟ هل كل دول أوروبا «يونان»؟ العكس الصحيح والأمثلة عديدة على النجاح، أهمها البرتغال التي مرت بأوقات صعبة وها هي تستعيد أنفاسها وتتقدم. فالنمو يعود من جديد من 0,9% في سنة 2014 إلى 2,5% في 2017 و2% في 2018، البطالة انحدرت من 14% في سنة 2014 إلى 9,8% في 2017. يخف عجز الموازنة من الناتج من 7,2% في سنة 2014 إلى 1,5% في 2017 أي أدنى من المسموح به أوروبيا وهو 3%. أما وضع الحساب الجاري، فتحول من عاجز إلى فائض اليوم حوالي 0,6% من الناتج نتيجة السياسات التي اتُّخِذَت وبفضل القطاع الخاص. أهم سياسة قامت بها الحكومات البرتغالية المتعاقبة هي رفض الوقوع في فخ التقشف التي ما زالت تعاني اليونان منه، من أهم القطاعات التي تنعش البرتغال هي السياحة النوعية التي تجذب الملايين.