خمسة أعوام مضت على الانقلاب الدموي في تركيا، الذي نفذته جماعة فتح الله كولن المثقلة بالأحقاد، والارتباطات المشبوهة، وخيانة الأوطان، متدثرة بغطاء الدين لتتلاعب بمشاعر البسطاء ففي الوقت الذي كان زعيم هذه الجماعة يستعيذ بالله من السياسة، كان يدرب أتباعه ويغرسهم في المؤسسات لاستخدام السلاح والخروج عن الشرعية، وقد شاهد العالم أجمع دمويتهم وعنفهم، والتي قابلها شعبنا بصدور عارية في معركة أسطورية سيخلدها التاريخ لأولئك الأبطال الذين حموا دولتهم وانتصروا لحرياتهم ومستقبل أجيالهم، ملتفين حول قيادتهم الدستورية كنتيجة لوعيهم الاستثنائي عن أهمية الاستقرار السياسي، فشعبنا يدرك ماهية الانقلاب على إرادته من خلال خبراته بمآلات الانقلابات السابقة وانعكاساتها على واقعه الاجتماعي والاقتصادي. لقد كانت الدولة التركية الحديثة للأسف تتعرض عبر هذا الانقلاب لأسوأ استهداف، وكانت تدفع ثمنا باهظا لكونها عبرت عن إيمان عميق بضرورة احترام الديمقراطية وإرادة الشعب وتكريس مبدأ خدمة الشعب كعنوان للمرحلة الجديدة من تاريخ تركيا. لذا كان النظام الديمقراطي الديناميكي لتركيا هدفاً لطيف واسع من المتربصين الذين أرادوا تحطيم النموذج التركي الصاعد بأية طريقة وبأي ثمن. لقد انقلب السحر على الساحر، هذه المقولة الرائعة من تراثنا المشترك، تجلت في التداعيات المثيرة للانقلاب الفاشل عشية الخامس عشر من يوليو عام 2016، وكيف تحول إلى وبال على صانعيه، وكشف حقيقتهم الزائفة، وأنهم ليسوا أمناء على شعبنا ولا يهمم أمره وإنما هم أدوات لأجندة خارجية لا تحب تركيا ولا تشفق عليها. وهنا يمكن أن نلفت إلى المنافع الهائلة التي حصدها الشعب التركي من وراء محنة الانقلاب، والتي شكلت وتشكل ثمنا مستحقا لتضحيات وبطولات الشعب التركي، الذي حظي بواحد من أكثر الأنظمة الديمقراطية قوة ومنعة، وبسلسلة من الإنجازات على المستوى الديمقراطي والاقتصادي والعسكري، تكرست معها مكانة تركيا ودورها الضامن للاستقرار في المنطقة، وأدرك أعداء الأمة أن الشعب التركي عصي على التطويع وأنه شب على الطوق، ولم يعد من السهل قهر إرادته وكسر كبريائه. لقد كشف هذا الانقلاب عن مواقف مشرفة لبعض الدول في منطقتنا وعلى رأسها الموقف الداعم لدولة قطر، بحيث كان صاحب السمو الأمير الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أول المتصلين بالرئيس أردوغان ليلة الانقلاب، لتقديم دعم قطر للحكومة والشعب التركي، في لفتة إنسانية نبيلة تعمق الأخوة والصداقة المتينة بين البلدين. ولا يفوتنا أن نتوجه بالتحية أيضا إلى أصدقاء تركيا الذين لم يتخلوا عنها في أي لحظة وفي القلب البلدان العربية والإسلامية. إن تركيا لا تنسى المواقف التضامنية المشرفة لأشقائها وهو جزء من التزام لا ينفك عن نهج تركيا الأصيل وحرصها الثابت على تعزيز العلاقات مع الأشقاء في المنطقة العربية، والالتزام بالمواثيق والمعاهدت الدولية، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة واحترام سيادتها، وحقها في اختيار نظامها السياسي، والاقتصادي، والاجتماعي. التحية لشعبنا في يوم عيده، عيد الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان. التحية لقيادته التي أعطت النموذج في القيادة الواعية الحكيمة المستعدة للتضحية من أجل الحفاظ على المبادئ التي انتخبها الشعب التركي من أجلها، فكانت وفية لتلك المبادئ، وأثبتت أنها قيادة حرة تقود شعباً حراً يمتلك قراره ويقرر مصيره ويضحي من أجله.